راكان المجالي

رغم أسبقية ثورة المواطنة الديمقراطية الشعبية في تونس التي كسرت حاجز الخوف والرعب وكانت مقدمة لثورة مصر إلا أن ثورة مصر كانت الملهمة والأكثر تأثيراً في الشخصية العربية ، ورغم استبسال شعبي ليبيا واليمن وشعوب عربية أخرى تظل مصر رافعة العمل العربي وخافضته أيضاً ، أما اليوم وقد جاء زمن النهوض فإن مصر في المقدمة عبر ثورة حقيقية وتغيير جذري يتجاوز الميدان السياسي كما تقول جريدة quot;الخليجquot; مع ملاحظة حضور سياسة بلا مزاودة ولا شعارات وعلى سبيل المثال كان رفض شباب الثورة لقاء كلينتون عنوانا لموقف سياسي بامتياز وكما تقول quot;الخليجquot; فإن التغيير في مصر ، سيتجاوز في فعاليته الميدان السياسي ، إلى ميادين الثقافة والفكر والمفاهيم والأخلاق وغيرها ، أما أعداء هذا التغيير ، فإنهم سيراهنون على بقائه في حدود المطالب المعيشية ، في وقت يدرك فيه الشعب المصري ، في ولادته الجديدة ، أن الذين أفقروه وأهانوه وقزموا دوره ، وشوهوا صورته في عيون الأشقاء والأصدقاء والعالم ، وهدروا موارده ، وانتهكوا كرامته ، وأعاقوا تنميته وتعليمه وإعلامه وفنونه ، هم الذين نحروا معنى مصر ، وغيبوا عبقرية المكان والناس ، واستغلوا معاهدة كامب ديفيد ، ليؤسسوا نظاماً مرتبطاً بمصالح خارجية ، وأعادوا هيكلة الاقتصاد ، لمصلحة الانفلات والفساد ، حيث تضاءلت الدولة في المجتمع وفي الاقتصاد ، وتغوّلت في القمع وتأميم السياسة ، وغيّبت منطق quot;الدولة وطن يظل الجميعquot; ، فهرمت مصر ، وعاثت ثعالبها فساداً.

ما المطلوب منا نحن العرب تجاه مصر الجديدة؟

مطلوب أولاً ، احترام خيارات الشعب العربي في مصر ، في ظل نظام ديمقراطي ومستقر منتظر ، وتمكينه من انتقال آمن وسلس ، بعيداً عن الفوضى والارتباك أو سرقة الثورة .

ھ لقد انتهت أو قاربت على الانتهاء لحظة التغيير ، وثورة الحرية ، لتبدأ ثورة توطيد الديمقراطية والعدالة ، وبناء التنمية الحقيقية ، وهي التنمية التي تعثرت في ظل انفتاح ، سماه المرحوم أحمد بهاء الدين quot;السداح المداحquot; ، حيث تم تكييف الاقتصاد المصري مع حاجات أسواق الغرب ، على حساب التصنيع والتصدير ، فازداد الفقراء فقراً ، وتخلخلت بنية الاقتصاد المصري ، وعاث الفاسدون فيه نهباً وتخريباً.

ھ إن أمام مصر الجديدة ، تحديات هائلة ، في إعادة بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، فضلاً عن المفاهيم والسلوكيات الديمقراطية القادرة على إحداث تحول أسرع وأكثر ثباتاً ، وأعمق تأثيراً لمصلحة أغلبية الشعب ، ولمصلحة المستقبل ، بما يلبي طموحات الأجيال الشابة وتوقعاتها.

ھ كما يتعين علينا نحن العرب ، بخاصة النخب ، مراجعة جدلية خياري الاستقرار والاستبداد ، في إطار الإنصات لنبض الشارع ، قبل أن يعلو صوته بالشكوى أو بالغضب ، طلباً للحرية والكرامة والعمل والعدالة ، كما يتعين أيضاً على العرب ، تقديم المساعدة المادية والفنية والمعنوية لمصر الجديدة ، بخاصة أنه من المتوقع أن يتردد الغرب في تقديم المساعدة غير المشروطة والمكبلة لحرية أهل الكنانة ، قبل أن تظهر سياسات مصر الجديدة تجاه التزامات العهد السابق وأدواره البائسة التي قام بها لخدمة المصالح الخارجية بخاصة تحريضه للدول العربية على قبول شرعية الدولة العبرية وسياستها.

الكثير من عقلاء العرب ، يراهنون على مصر الجديدة ، لتصحيح المسار في العلاقات العربية العربية ، وفي العلاقات العربية مع الإقليم والعالم ، بما يوفر سلماً أهلياً عربياً مستقراً وفاعلاً ودائماً ، لا مكان فيه لعنف مادي أو فكري ، ولا مكان فيه لإرهاب أو تكفير أو فتنة مذهبية أو طائفية ، ولا استدعاء لأجنبي لتحرير أرض أو quot;رقبةquot;.

علمتنا تجارب الماضي والراهن ، أن البيئة السلطوية والقاصرة ، هي حاضنة مثالية لبذور الغلوّ والتطرف والعنف العبثي والفساد الكريه ، وفيها تتأجج الفتن المذهبية والطائفية والعرقية ، وترتكب الكبائر وتنتحر الأوطان ، في حين توفر البيئة الديمقراطية والنظام العادل ، مناخات صحية ، يخسر فيها العنف الدموي والتطرف قواعده الشعبية ، وركائزه الفكرية ، وتجفف ينابيعه.

إن ثورة التوقعات في مصر ، تحتاج إلى تعبئة الطاقات وحشد الجهود الوطنية والقومية ، للخروج من تحت سقف النظام القديم ، ومؤسساته ومفاهيمه وسياساته ، التي أدت إلى انهياره ، وتعطيل إنتاجية المصريين ، وهدر مواردهم وإعادتهم إلى الوراء في شتى الحقول.

لقد تآكل النظام ، من دون أن يشعر أنه سار نحو لحظة الانهيار . . لقد كانت خياراته في الداخل خطأ بامتياز.

حتى الآن.. تبدو المرحلة الانتقالية سلسة ومنظمة ، والأهم ألا تنطفئ جذوة الأمل والروح الجديدة ، بل أن تظل حاضرة ومستنفرة حتى ترسم حال مصر المستقبل . . وإلا تعرضت إلى الانكسار.