غازي العريضي

يتجه الوضع في لبنان نحو مزيد من التعقيد وتزداد حدة الانقسام حول مسائل أساسية. وليس ثمة جديد يمكن إضافته اليوم لناحية تشخيص هذا الانقسام بمسبباته أو بالقوى المعنية به والمعبرة عنه أو برموزها!

لغة الأرقام في الحشود التي يجمعها هذا الفريق أو ذاك لم تعد ذات قيمة تذكر. هذا الفريق يمكنه الحشد، وذاك الفريق يمكنه الحشد أيضاً. هذا الفريق يمكنه تنظيم اعتصام مفتوح اليوم، وذاك الفريق يمكنه تنظيم اعتصام آخر غداً. وهذا الفريق يمثل فئة واسعة من اللبنانيين والفريق الآخر يمثل فئة واسعة أخرى منهم. لم تعد ثمة أكثريات. والأكثرية النيابية الحالية قائمة على صوت أو صوت، وإذا ما أصاب مكروه نائباً أو نائبين بتنا أمام مشكلة.

ولذلك فالمشكلة ليست عددية. المشكلة سياسية. وسياسية فئوية ومذهبية وليس فقط طائفية. وسياسية بمعنى أن الحوار الفعلي مقطوع بين القوى السياسية اللبنانية. لا طاولة الحوار التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري عام 2006 وأدارها وكانت محطة مهمة، وخلصت إلى اتفاق حول قضايا أساسية، ثم أدارها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، لا هذه الطاولة موجودة، ولا يهتم بعض أركانها لها، ولاستمراريتها، ولم يبحثوا في أوراق قدمت من أطراف أساسية في البلد حول موضوع الإستراتيجية الدفاعية الوطنية، لمعالجة موضوع سلاح المقاومة، ولا مجلس الوزراء شكل هيئة حوار، ولا مجلس النواب مكان حوار، فكيف يعيش البلد؟

فضلاً عن ذلك، فإن القوى السياسية الرئيسة في البلاد تطلق مواقف سياسية حادة في وجه بعضها البعض، ولكنها لا تطرح حلولاً وبالتالي نعيش حالة من الفراغ التي تملأ بالتحدي والتشنج، والحدة والمزيد من الانقسام. وهنا مكمن الخطورة.

اليوم، لبنان بلا حكومة، وفي انقسام حول السلاح، وحول المحكمة واستمراريتها، ويشهد خطاباً مذهبياً، وخطاباً غير مسؤول في معظم الأحيان، وأزمات اجتماعية خانقة تحيط باللبنانيين، وليس ثمة أفق.

وفي هذا السياق المخيف، نجد أن الفريق الذي يرفع شعار المحكمة والعدالة سلاحاً في وجه القتل والهيمنة، يجيبه الفريق الآخر: لا أفق لمعركة المحكمة! وهذا الفريق يتمسك بالسلاح ومشروعيته في وجه الاحتلال، وقد أخطأ في استخدامه في مرحلة معينة في الداخل، فيقول له الفريق الأول: لا أفق لمعركتك للتمسك بالسلاح. ويقف اللبنانيون منقسمين فريقين عاجزين ودون أفق! فريق يعتبر طرح الآخر من دون أفق والآخر يقول له لا أفق لديك. فمن لديه أفق؟ وهل نحن أمام آفاق مسدودة في لبنان؟ وما هو المطمئن والإيجابي إذا؟ وكيف نخرج من الأزمة؟ وكيف نحل المشاكل؟

إن المطلوب بقاء الآفاق مفتوحة على الحلول لا سد الآفاق. فعندما تسدّ الآفاق نكون في ظلام وفي نفق مظلم خطير لا نخرج منها سالمين آمنين حافظين مصالحنا الوطنية.

مرة جديدة أقول، لا تحل المشاكل بين اللبنانيين بهذا الشكل. لا بالتحدي ولا بالسلاح ولا بالاستعلاء والاستقواء والإلغاء والاستهزاء والازدراء ... لا بد من حوار ينطلق من أفكار واضحة. وعلى هذا الأساس ينبغي على كل فريق أن يطرح برنامجاً سياسياً متكاملاً مع التركيز على النقاط الأساسية البارزة في السجال اليوم. وفي رأيي ينبغي التأكيد بالإجماع وبالممارسة على رفض وإدانة استخدام السلاح في الداخل مهما كانت الأسباب والمبررات والظروف والخلفيات. وننتقل إلى مناقشة سلاح المقاومة انطلاقاً من تأكيد استمرار الخطر الإسرائيلي على لبنان. وقرار الحظر الدولي على تسليح الجيش اللبناني لنتفق على رؤية واضحة وخطة تحرك واضحة نكون فيها أقوياء أعزاء قادرين على التأثير وتقديم موقفنا بشكل واضح أمام الجميع في الداخل والخارج ليتحمل هذا الخارج الذي يدعي الحرص على حماية لبنان مسؤولياته فيعمل على ردع إسرائيل ودفعها إلى التزام وتطبيق القرار 1701 ويشعر اللبنانيين فعلاً بجدية الحرص على ذلك، وجدية العمل على تسليح الجيش.

في موضوع المحكمة ينبغي التأكيد أنها قرار دولي ليس بيدنا إمكانية إلغائه. ولكن على المسؤولين عنها التصدي بحزم وبوضوح وبما يطمئن اللبنانيين على سلامة التحقيق، وبالتالي على رفض التسريب ومحاسبة المسؤولين ودراسة كل الاحتمالات والمعلومات، لتكون شفافية وصدقية واضحة تضع حداً لكل الإساءات التي أصابت المحكمة، ومن داخلها ولم نسمع كلمة أو نرى تحركاً من قبل مسؤوليها. وفي موازاة ذلك يستمر النقاش حول كيفية معالجة تداعيات قرارات المحكمة، لتأكيد استقرار وسلامة لبنان. ألم يقل الرئيس سعد الحريري ذات يوم: إن دم رفيق الحريري لن يكون سبباً للفتنة؟

منذ أيام كاد تصريح أن يشعل الوضع فكيف بدم شخص مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

ويُضاف إلى هذه العناوين، عناوين أخرى اقتصادية واجتماعية لرفع الظلم والقهر والحرمان عن اللبنانيين ومعالجة موضوع الدين العام والفساد والمشاكل اليومية التي يعانون منها!

إن المطلوب برنامج سياسي واضح يشكل أساس نقاش وحوار بين اللبنانيين ... ولا بد من المبادرة في هذا الاتجاه قبل فوات الأوان ....