يبدو أنلبنان على أعتاب مرحلة سياسية جديدة مختلفة نوعيًا بعد التعديل الجوهري الذي طرأ على صورة الحياة السياسية الداخلية فيه، باستمرار التجاذب السياسي حول قضايا متعددة، أبرزها موقف الحكومة من القرار الإتهامي في جريمة إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري المتوقع صدوره قريباً.
بيروت:يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة مع إعلان حكومته العتيدة، التي يعمل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على تشكيلها. في هذه المرحلة تتوزع الأدوار بين الفريقين السياسيين الرئيسين في البلاد، أي قوى 8 و14 آذار، بعدما إستطاعت سوريا وحلفاؤها في لبنان، وعلى رأسهم حزب الله، تعديل ميزان القوى الداخلي لمصلحتهما، وخصوصًا بعدما حسم رئيس quot;جبهة النضال النيابيةquot; الزعيم الدرزي وليد جنبلاط خياره السياسي، بالإنضواء الكاملتحت صفوف فريق 8 آذار.
وبالتالي تأمين الأكثرية النيابية التي تسمح لهم بتولي السلطة السياسية في لبنان، والدفع بقوى 14 آذار إلى مقاعد المعارضة، بعد توليها زمام السلطة في العام 2005 في مرحلة ما بعد إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وحتى إسقاط حكومة سعد الحريري قبل أسابيع قليلة.
تتميز المرحلة السياسية الجديدة والمختلفة نوعياً التي يدخلها لبنان، بعد التعديل الجوهري الذي طرأ على صورة الحياة السياسية الداخلية فيه، باستمرار التجاذب السياسي حول عدد من العناوين، ومنها موقف لبنان من المحكمة الدولية الخاصة بجريمة إغتيال رفيق الحريري، والقرار الإتهامي المتوقع صدوره خلال قريباً، بعدما أصبح في حوزة قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة دانيال فرانسين.
إلى جانب موضوعات جوهرية، منها سلاح حزب الله، والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وعودة الدور السوري المقرر في إدارة الشؤون اللبنانية الداخلية، وموقع رئاسة الحكومة اللبنانية، ودور السنية السياسية في تركيبة السلطة الجديدة في البلاد.
ومن المتوقع أن تشكل هذه القضايا ذلك محور الصراع السياسي، خلال المرحلة المقبلة، التي سيكون تشكيل الحكومة الجديدة quot;صافرةquot; إنطلاقها، وذلك في ظل شعور عام لدى محازبي وأنصار رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري بتعرضه للإقصاء، بفعل الضغط وقوة سلاح حزب الله من جهة، وquot;خيانةquot; بعض حلفائه الذين وصلوا إلى المجلس النيابي بأصوات وتأييد تيار المستقبل نفسه.
وإذا كانت الأكثرية التي ستتشكل منها الحكومة الجديدة المتمثلة في قوى 8 آذار، والوظيفة الأساسية للحكومة بفك إرتباط لبنان بالمحكمة الدولية قد حسمتا، فإن النقاش يتمحور، وقبل إعلان التشكيلة الجديدة حول توزيع الحقائب الوزارية بين قوى 8 آذار والرئيس ميقاتي، على ضوء النتيجة النهائية للحوار الذي بدأه الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل مع الرئيس المكلف باسم قوى 14 آذار، والذي وصل إلى طريق مسدودة، وأنعشه مجددًا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي يفضل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإن كان احتمال تحقيقه ضئيلاً جداً، لكنه في كل الأحوال لن يمس الأكثرية المطلقة والمقررة في الحكومة الجديدة لقوى 8 آذار.
استطلعت quot;ايلافquot; آراء عدد من الشخصيات السياسية التي تنتمي إلى فريقي 8 و14 آذار، حول المعطيات المتعلقة بتشكيل الحكومة العتيدة ومواقف الطرفين حيال المرحلة السياسية الجديدة التي دخلها لبنان، والوجهة العامة لتطور الأحداث خلال هذه المرحلة.
سعيد: السلاح الإيراني يتحكم بلبنان
يعتبر منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد أن السلاح الإيراني يتحكم بالجمهورية اللبنانية، عبر سلاح حزب، الله الذي يستعجل ولادة الحكومة الجديدة، لإستيعاب القرار الإتهامي المنتظر صدوره من المحكمة الدولية، والذي تحدثت التسريبات الإعلامية عن أنه يتضمن إتهام عناصر من الحزب بالمشاركة في جريمة إغتيال الحريري.
يقول سعيد quot;لن يكون توزيع الحقائب عائقاً أمام تشكيلها، منذ أن صدر أمر العمليات من قبل فريق حزب الله وسورياquot;.
ويستبعد سعيد مشاركة قوى 14 آذار في الحكومة الجديدة، والتي لن يكون الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قادرًا على تلبية معايير هذه القوى للمشاركة في الحكومة.
ويؤكد أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، قد أعلن بالصوت والصورة، أن وظيفة الحكومة الجديدة هي مواجهة القرار الإتهامي المتوقع صدوره من المحكمة الدولية قريبًا.
ويشير سعيد إلى استعداد قوى 14 آذار لإطلاق معارضة وطنية إسلامية- مسيحية موحدة وحديثة وديمقراطية، تهدف إلى بناء الدولة على أساس اتفاق الطائف، وخصوصًا حصرية السلاح في يد الدولة للبنانية.
علوش: نجيب ميقاتي تحت سلطة حزب الله
من جهته، يرى النائب السابقالمنتمي إلىتيار المستقبل وعضو المكتب السياسي للتيار مصطفى علوش أن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يحاول أن يحافظ على مظهر الوسطية، ولكنه يقع عمليًا تحت سلطة حزب الله، وتم تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة ضمن سلة شروط معينة لقوى 8 آذار، ناهيك عن أنه سيكون معزولاً من قبل الطرف السياسي الذي ينتمي إليه في الاساس، وبالتالي الخضوع إلى إملاءات فريق 8 آذار.
ويحصر علوش المشكلة الرئيسة، التي أدت إلى قلب موازين القوى في البلاد، بالسلاح غير الشرعي. ويضيف علوش قائلاً quot;إن كل التداعيات كانت بفعل هذا السلاح، وأن الخطأ الرئيس لقوى 14 آذار، يكمن في المشاركة في حكومات تغطي هذا الموضوع، وهو ما لن يحصل مستقبلاً إلا بعد أنيتموضع حل نهائي لهذا السلاحquot;.
القزي: الحكومة ستستهدف رئاسة الجمهورية
من جانبه، يشير نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية سجعان القزي إلى أن معطيات برزت على خط التأليف، وتمثلت في الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتفتح الطريق أمام الرئيس المكلف لمواجهة الظروف التي وضعته أمام تأليف حكومة اللون الواحد.
ويقول قزي إنالمشاركة في الحكومة الجديدة، تبقى مرهونة بقبول قوى 14 آذار المشاركة فيها، وتلبية فريق 8 آذار البنود والشروط المطلوبة لهذه المشاركة. وهو ما يظهر خلال اليومين المقبلين، وستكون المحاولة الأخيرة لمشاركة قوى 14 آذار في الحكومة الجديدة، رغم أن المعطيات التي برزت بعد الحوار الذي أجراه الرئيس أمين الجميل مع الرئيس المكلف، أظهرت أن وظيفة هذه الحكومة هي فك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية، والمزيد من الدعم لسلاح حزب الله، وعدم وجود أي إمكانية للحصول على الثلث الضامن لقوى 14 آذار، ويدفع إلى الاعتقاد أن الحكومة الجديدة هي حكومة حزب الله، خصوصًا أنها استطاعت توفير الغالبية ليس عن طريق الانتخابات، بل بقوة الضغط.
وبالتالي فهي حكومة تفرض مشروعاً انقلابياً. ويؤكد قزي وجود اتجاه لدى قوى 14 آذار الى تشكيل معارضة، تستعيد الثقة الشعبية بها، وأن هذه القوى لا تستطيع القيام بمعارضة تقليدية، لأنها أمام حكومة تريد تغيير نهج البلاد، وتستهدف رئاسة الجمهورية لاحقاً.
سكرية: حكومة النهج المقاوم لإسرائيل
النائب السابقفي كتلة حزب الله إسماعيل سكرية، يرى في سياق رده على الاتهامالذي تروجه قوى 14 آذار بحسب قوله، أن الحكومة الجديدة هي حكومة حزب الله، مؤكدًا أنها حكومة النهج المقاوم لإسرائيل، والتحالف مع سوريا الممانعة للهيمنة الأميركية، والداعمة للمقاومة في مواجهة quot;الإحتلال الإسرائيليquot;. ويسأل أين الغرابة في هذا الأمر؟ وتحديدًا إذا ما كانت الحكومة الجديدة ضمانة لحماية خط المقاومة، والحفاظ على السلم الأهلي في مواجهة الفتنة التي يعمل quot;العدوquot; الإسرائيلي على إحداثها في لبنان ليل نهار. خصوصًا استغلال المحكمة الدولية من أجل تفجير هذه الفتنة.
ويؤكد سكرية أن الرئيس المكلف سيعمل على تأمين تمثيل سنّي فاعل ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة، وذلك في ظل عدم مشاركة تيار المستقبل فيها، وستكون طرابلس وبيروت حاضرة في هذه الحكومة، عبر أسماء وشخصيات معتدلة ومحترمة. وينفي سكرية أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي تحت ضغط أحد، أو أنه يقوم بتنفيذ دفتر شروط معين، لأنه يملك القدرة على قول نعم أو كلا، وحتى الاعتذار عن الاستمرار في عملية تأليف الحكومة.
أسود: على 14 آذار الإقتناع بالتغيير السياسي
يوضح عضو تكتل التغير والإصلاح النائب زياد أسود أن تأخير الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة، يتعلق بضرورة وضع تصور واضح لكيفية حل المشكلات التي ستواجهها البلاد خلال المرحلة المقبلة، وليس مجرد تقطيع الوقت فقط، أي شكل الحكومة ودورها، وبالتالي سيتم بناء على ذلك تحديد أسماء الوزراء. ويشير أسود إلى أنه مع الانتهاء من تشكيل هذه الحكومة لا بد أن يبدأ تكريس خط سياسي ونهج جديد في البلاد، يحقق آمال الناس، ويحسن صورة الدولة، لأن عكس ذلك سيكون كارثة كبيرة، يدفع ثمنها جميع اللبنانيين.
ويلفت أسود إلى أن علاقة رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون بحلفائه، كسوريا وحزب الله، هي علاقة تشاور وتبادل للآراء ووجهات النظر، حول السبل الفضلى لمواجهة المشكلات التي يعانيها لبنان، أاو تنتظره في المستقبل القريب، ولا يسودها أي تمني أو إملاءات عليه.
ويقول أسود quot;لا يحق لرئيس الجمهورية المطالبة بحصة وزارية كبيرة، فهو ليس لديه كتلة نيابية تمثل قاعدة شعبية كبيرة، وليس لديه رؤية محددة للإصلاح، وبالتالي فإن الوزراء المحسوبين عليه، سيكونون غير ذي فعالية مهما كانوا يتمتعون بالنزاهة والكفاءةquot;. وإذ يعتبر أسود أن على فريق 14 آذار أن يقتنع بحدوث تغيير سياسي في البلاد، وسقوط نهج سياسي قام على تزوير الانتخابات النيابية، وفبركة شهود الزور، وعلامات الاستفهام حول دوره خلال عدوان إسرائيل في تموز/يوليو 2006... يدعو (أسود) فريق 14 آذار إلى البقاء في صفوف المعارضة، لأن ذلك سيكون الخيار الافضل للحكومة الجديدة، لإنجاز المطلوب منها.
الساحلي: لا إقصاء للسنة
من جهته ينفي الوزير السابق ومسؤول العلاقات الخارجية في حركة أمل طلال الساحلي، أن تكون الحكومة العتيدة هي حكومة حزب الله.يستند في ذلك إلى تصريح لوزير الخارجية البريطاني وليم هيغ في هذا الصدد.
ويرى في هذا الاتهام نوعًا من البؤس السياسي، لأن التغيير الذي حصل في لبنان، يستند إلى واقع دستوري لا لبس فيه، وليس مطروحًا إستبعاد أحد، حيث يملك الجميع حق المشاركة فيها، ولكن ضمن إطار الأكثرية الجديدة.
ويرفض الساحلي مقولة إقصاء السنّة وتقليص دورهم عبر إضعاف رئاسة الحكومة، لأن الناس تدرك أن هناك قوى سياسية ذات تمثيل سنّي واسع في مدينة طرابلس، وخصوصاً الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وآخرين لديهم الأكثرية الشعبية داخل المدينة، وقرروا المشاركة في الحكومة الجديدة، وما تكرار بعض المقولات التي تتحدث عن إقصاء السنة وتهميشهم، إلا بداعي صب الزيت على النار، وضرب إمكانية بناء نسيج اجتماعي، يؤدي مستقبلاً إلى بناء دولة مدنية حديثة وحقيقية.
ويؤكد الساحلي أن الطابع السياسي سيكون غالبًا على أعضاء الحكومة، والذين لا تناقض بين دورهم السياسي من جهة، ودورهم التقني من جهة أخرى. ويلفت إلى أن تشكيل الحكومة لن يستغرق وقتًا طويلاً، وقد يتم إعلانها خلال أيام، وسيكون على جدول أعمالها إنجاز ما توصلت إليه المبادرة السورية السعودية لمعالجة الأزمة السياسية في لبنان، وتداعيات القرار الظني للمحكمة الدولية على وحدته، التي وافق عليها الرئيس سعد الحريري، وأبرز ما تضمنته من سحب للقضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية، ووقف تمويلها، وإعادة النظر في اتفاقية المحكمة مع الأمم المتحدة، إضافة إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية، التي تثقل كاهل اللبنانيين، وتؤدي إلى إذلال الكثير منهم.
التعليقات