لبنان في مهبّ المحكمة الدوليَّة

آخر تحديث 14/1/2011 الساعة 14.00بتوقيت غرنتش

تتجدد الأزمة السياسية في لبنان بعد انسحاب وزراء المعارضة وسقوط حكومة الوفاق الوطني.

إيلاف من بيروت، الوكالات: عاد رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الجمعة الى لبنان بعد يومين من سقوط حكومته (التفاصيل) وقد استقبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان صباح الجمعة الحريري الذي وصل ليلا الى انقرة لبحث الازمة الناجمة عن انهيار الحكومة اللبنانية، كما افادت مصادر متطابقة (التفاصيل).

فيما طلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان من الحكومة المستقيلة مواصلة تصريف الأعمال لحين تشكيل مجلس وزاري جديد(التفاصيل). وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عقب اجتماعه بالرئيس سليمان اليوم الخميس، ان quot;الاستشارات النيابية ستبدأ الاثنين المقبل عند الساعة الثانية عشرة ظهراquot;، وقال: quot;اللقاء كان جيدا جداquot;. فيما تعيش لبنان حالة من الاستفنار السياسي والدبلوماسي قبل تكليف ميشال سليمان لرئيس جديد للحكومة (التفاصيل)

إلى ذلك بحث الرئيس اللبناني ونظيره السوري الأوضاع العامة بعد إستقالة الحكومة. وسيصل وزير الحكومة اللبناني إلى تركيا مساء الخميس لبحث الازمة اللبنانية. (التفاصيل)

من جانبه بحث أمين عام حزب الله مه النائب وليد جنبلاط quot;كيفية التعاطيquot; مع المرحلة السياسية القائمة عقب سقوط الحكومة. (التفاصيل)

وقد سقطت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريريأمس الأربعاء إثر استقالة أحد عشر وزيرا بينهم عشرة من حزب الله وحلفائه، وذلك بعد مضيّ حوالى سنتين وثمانية أشهر على اتّفاق الدوحة الذي جمع بين الأفرقاء اللبنانيين تحت جناح حكومة وفاق وطني في 21 أيار (مايو) 2008.

وجاءت استقالة وزراء المعارضة بينما كان رئيس الوزراء اللبناني يعقد اجتماعًا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. وبالرغم من أنّ الصورة لا تزال تبدو أنَّها ضمن الإطار الديمقراطي، وذلك بعد تأكيد قوى المعارضة بأنَّها لن تلجأ إلى خيار الشارع، إلا أنّ الأجواء والتصريحات التي صدرت خلال الساعات القليلة الماضية تنذر بتصعيد، وخصوصًا إن ارتبط قرار استقالة وزارء المعارضة باقتراب موعد صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

وكانت المحكمة الدوليّة أعلنت منذ التاسع من كانون الاول (ديسمبر) أنَّ تسليم القرار الظني في قضيّة اغتيال الحريري إلى قاضي الإجراءات التمهيدية quot;بات قريبًا جدًا، جدًاquot;. وتزامن إعلان الاستقالة مع استقبال الرئيس الاميركي باراك أوباما في واشنطن رئيس الحكومة سعد الحريري.

واتهم وزراء المعارضة quot;الفريق الآخرquot; بعدم التجاوب مع الجهود وquot;بالرضوخ للضغوطات الخارجية لا سيما الاميركيةquot;. وقد غادر الحريري بعد اللقاء واشنطن متوجها الى باريس حيث يفترض أن يلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي غدا الخميس، بحسب ما أفاد مكتبه الإعلامي.

من جانبه، ابدى الرئيس الاميركي باراك اوباما الاربعاء دعمه غير المشروط لـ سعد الحريري خلال استقباله في البيت الابيض بينما كان حزب الله وحلفاؤه ينسحبون منها ويتسببون باسقاطها. وقال الرئيس الاميركي في بيان شديد اللهجة في ختام لقائه الحريري ان quot;جهود المجموعة التي يتزعمها حزب الله لاسقاط الحكومة اللبنانية لا تدل سوى على خوفهم وتصميمهم على شل قدرة الحكومة على اداء عملها وعلى تحقيق تطلعات جميع ابناء الشعب اللبنانيquot;.

المستقيلون

الوزراء العشرة الذين اعلنوا استقالتهم في بيان صدر في تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الأربعاء (15:00 غرنتش) هم خمسة شيعة (اثنان من حزب الله وثلاثة من حركة أمل) وخمسة مسيحيين ينتمون الى التيار الوطني الحر برئاسة عون (ثلاثة) وواحد الى تيار المردة المسيحي بزعامة النائب سليمان فرنجية وواحد الى حزب الطاشناق الأرمني.

وقالوا إنهم quot;يتقدمون باستقالتهم من الحكومة آملين من رئيس الجمهورية الاسراع في اتخاذ الاجراءات المطلوبة لقيام حكومة جديدةquot;. وعبر الوزراء المستقيلون عن أسفهم quot;لتفويت الفرص التي أتيحت لإنجاح هذه الجهود وتجنيب لبنان أي مسّ باستقراره وحمايته من الفتنة التي تحضّر لهquot;. وشكر البيان الذي تلاه وزير الطاقة جبران باسيل امام الصحافيين والى جانبه زملاؤه التسعة من مقر الزعيم المسيحي ميشال عون في الرابية (شمال شرق بيروت)، الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الاسد على quot;الجهود التي بذلاها لمساعدة لبنان على تخطي الأزمة الناتجة من عمل المحكمة الدوليةquot;.

وفي وقت لاحق، أعلن وزير الدولة عدنان السيد حسين الشيعي المحسوب على رئيس الجمهورية التوافقي ميشال سليمان استقالته من الحكومة. واشار في بيان الى ان استقالته تأتي انسجاما مع موقعه quot;كوزير توافقي في هذه الحكومةquot;.

وكان وزراء قوى 8 آذار طالبوا مساء الثلاثاء رئيس الحكومة بالدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء quot;خلال ساعاتquot; من اجل quot;اتخاذ موقف من المحكمة والقرار الظني وما يتسبب به من انقسامات وإشكالات في الوطنquot;. ولم يوجه رئيس الحكومة سعد الحريري اي دعوة الى مجلس الوزراء.

ويتبادل الفريقان مسؤولية فشل المساعي السعودية السورية من أجل احتواء التوتر الناجم عن احتمال صدور القرار الظني الذي اعلنت المحكمة منذ التاسع من كانون الاول/ديسمبر ان تسليمه الى قاضي الاجراءات التمهيدية quot;بات قريبا جدا، جداquot;. ويتوقع ان يصدر رئيس الجمهورية مرسوما يكلف بموجبه الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال، وان يجري استشارات نيابية من اجل تكليف شخصية سنية تشكيل حكومة جديدة. ويتمتع سعد الحريري بالاكثرية النيابية، ما يجعل تكليف شخصية اخرى بتشكيل الحكومة امرا مستبعدا، الا إذا رفض المهمة.

ردود فعل محليّة

وقال النائب احمد فتفت من تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري إن الحريري quot;لن يدعو الى اي جلسة تحت الضغطquot;، وان quot;أحدا لا يمكنه أن يملي عليه جدول اعمال مجلس الوزراءquot;. وقال وزير البيئة محمد رحال المنتمي الى تيار المستقبل ان quot;الهدف من الاستقالة هو شلّ الدولة في سبيل إلغاء المحكمة الدوليةquot;. واكدت الكتائب انها ثابتة في دعم رئيس الجمهورية وتأييد الحكومة ورئيسها والمحكمة الدولية مستغربة توتر الجو السياسي.

في المقابل، اعلن الوزير الاسبق وئام وهاب اطمئنانه للتطورات الاخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية، مستبعدا تشكيل حكومة قريبا ومجددا تاكيده ان المحكمة الدولية أصبحت في quot;مزبلة التاريخquot;. بدوره، اعلن النائب وليد جنبلاط بعد لقائه البطريرك صفير في بكركي ان القوى الظلامية دخلت على خط التسوية وعطلت المبادرة السورية - السعودية.

ردود فعل عربيّة ودوليّة

ويجمع المراقبون على صعوبة تشكيل حكومة جديدة في المرحلة المقبلة في ظل استمرار الانقسام السياسي على حاله، ويحذرون من تداعيات سلبية للازمة على الارض. وتتوالى ردود الفعل الفعل العربيّة والدوليّة مع تجدد الأزمة اللبنانية. وحذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي احمد داود اوغلو في انقرة من مخاطر استقالة وزراء حزب الله وحلفائه قائلا ان quot;لبنان يمكن ان يواجه المشاكل التي واجهها سابقا وذلك سيؤثر في دول المنطقةquot;. وابدى داود اوغلو من جهته امله في عدم انسحاب حزب الله من الحكومة اللبنانية، الا انه اكد ان تركيا ستبذل في حال حصل ذلك quot;كل ما في وسعهاquot; لايجاد حل سلمي للازمة.

واسف عمرو موسى لما آلت اليه تطورات الوضع في لبنان ودعا القيادات السياسية إلى إبقاء أبواب الحوار مفتوحة. وجدد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي quot;دعمه للسلطات والمؤسسات اللبنانيةquot; في اتصال هاتفي اجراه مساء الاربعاء مع الرئيس السوري بشار الاسد وبحث فيه الازمة الحكومية في لبنان.

ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الهدوء وكرر quot;دعمه الكاملquot; للمحكمة الخاصة بلبنان، طالبًا استمرار الحوار بين جميع الاطراف واحترام الدستور والقوانين، مكررا دعمه الكامل للعمل المستقل الذي تقوم به المحكمة الخاصة بلبنان. من جهته، وصف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ استقالة وزراء حزب الله بأنه quot;حدث بالغ الخطورةquot; واعتبر ان quot;من الضروري وقف الافلات من العقابquot; الذي يستفيد منه منفذو الاغتيالات السياسية في لبنان. ودان quot;المحاولات المستمرة لنسفquot; المحكمة الخاصة بلبنان التي quot;ينبغي ان تتمكن من القيام بمهمتها من دون عراقيلquot;. وخلص الى القول quot;يجب احقاق العدالة ويجب انهاء الافلات من العقابquot; بالنسبة الى مرتكبي quot;الاغتيالات السياسية في لبنانquot;.

كلينتون: عمل المحكمة سيستمر

وفي الدوحة، افاد مسؤول اميركي ان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الموجودة حاليا في قطر، تجري اتصالات في كل الاتجاهات للتوصل الى quot;اجماع دوليquot; حول المحكمة الخاصة بلبنان. واكدت كلينتون ان محاولة اسقاط الحكومة اللبنانية من جانب حزب الله وحلفائه لتقويض المحكمة الدولية quot;لن تجدي نفعاquot; وان عمل المحكمة quot;سيستمرquot;. واتهمت كلينتون في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني حزب الله وحلفاءه بالسعي الى quot;نسف العدالةquot; وquot;تقويض الاستقرارquot;.

وقالت للصحافيين quot;نرى جهدا واضحا من القوى داخل لبنان (في اشارة الى حزب الله وحلفائه) ومصالح من الخارج لنسف العدالة وتقويض الاستقرار والتقدم في لبنانquot;. واكدت ان quot;محاولة اسقاط الحكومة لتقويض عمل المحكمة الدولية تخل عن المسؤوليات، لكنها ايضا لن تجديquot; مذكرة بان حزب الله وافق على المحكمة قبل الدخول في حكومة الوحدة الوطنية.

وشددت الوزيرة الاميركية على ان المحكمة التي تنظر خصوصا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري quot;اوجدتها الامم المتحدة ومجلس الامن وتدعمها حكومات عدة بينها حكومتي، وعملها سيستمرquot;. ورأت كلينتون ان quot;عمل المحكمة يجب ان يستمر لتحقيق العدالة وانهاء حالة الافلات من العقابquot; مجددة التاكيد على ضرورة عدم تخيير اللبنانيين بين quot;الاستقرار والعدالةquot;.

رئيس الوزراء القطري: لا نفكر بالدوحة 2

من جهته، اكد رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني الاربعاء انه لن يكون هناك اتفاق دوحة 2 لحل الازمة في لبنان بعد استقالة وزراء حزب الله وحلفائه من الحكومة اللبنانية. وقال الشيخ حمد في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون quot;لا يوجد دوحة 2 ولا نفكر بالدوحة 2quot;. وقال الشيخ حمد quot;نفكر بالطائف وبالدوحة 1 وبكيفية تفعيلهما وجعلهما يعملان بشكل منظمquot;.

إسرائيل تراقب عن كثب

بينما اعلن مسؤول حكومي اسرائيلي رفيع المستوى الخميس ان اسرائيل تراقب الازمة الحكومية في لبنان quot;باهتمام بالغquot; (التفاصيل)

بداية الأزمة

وبدأت الازمة بعد كشف حزب الله في الصيف الماضي عن توجه الى اتهامه في جريمة اغتيال رفيق الحريري التي وقعت في شباط/فبراير 2005. وبدأ على الاثر حملة على المحكمة الخاصة بلبنان التي يتهمها بالتسييس وبأنها quot;أداة إسرائيلية وأميركية لاستهدافهquot;. وطالب حزب الله بوقف التعاون مع المحكمة، مقابل إعلان فريق رئيس الحكومة تمسكه بالمحكمة ورفضه اي تسوية على حسابها. وتسببت الازمة بشلل حكومي ومؤسساتي.

ويتبادل الفريقان مسؤولية فشل المساعي السعودية السورية من أجل احتواء التوتر الناجم عن احتمال صدور القرار الظني. وشهد لبنان ازمة حكومية بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 حتى ايار (مايو) 2007 بعد انسحاب خمسة وزراء شيعة وسادس مسيحي من الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة آنذاك على خلفية خلاف حول إقرار نظام المحكمة الدولية.

وتطورت الازمة الى معارك في الشارع بين انصار فريقي حزب الله وسعد الحريري تسببت بمقتل اكثر من مئة شخص واستدعت عقد مؤتمر حوار وطني في الدوحة تم خلاله التوصل الى تسوية.

إن كان من وصف يمكن إطلاقه على رئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري فهو ما لقب به أبو العلاء المعري: رهين المحبسين! فبين حكومة الوفاق الوطني ومحكمة العدالة الدوليّة، تبدو القيود التي تكبّل الحريري حديدية. (التفاصيل) يعتبر حزب الله الذي دفعت استقالته مع حلفائه نحو انهيار الحكومة برئاسة سعد الحريري، قوة سياسية وعسكرية مقتدرة فرضت نفسها كمحور لا يمكن تجاوزه في الحياة السياسية اللبنانية. (التفاصيل)