عدنان حسين
كنّا سنحترم مجلس النواب كل الاحترام ونبجّل أعضاءه كل التبجيل ونقدّر لهم كل التقدير مبادرتهم بتكريس الجلسة الأخيرة لمجلسهم (أول من أمس) للأحداث البحرينية وإلقاء الخطب الحماسية وتعليق أعمال الجلسة، لو لم تنبعث من المجلس رائحة كريهة، هي رائحة العصبية الطائفية التي اختنق بها الشعب العراقي في سنوات قريبة ولم يزل خطرها يتهدده.
يستحق الشعب البحريني التضامن القوي والحارّ دعما لمطالبه العادلة بتأمين حقوقه الدستورية وصيانة حرياته السياسية والمدنية، لكن الشعوب الأخرى التي تمر بأوضاع مماثلة تستحق هي الأخرى من نواب الشعب العراقي المستوى نفسه من التضامن.
منذ ثلاثة أشهر تحرك الشعب التونسي من أجل حقوقه وحريته فووجه بآلة القمع الوحشية من نظام زين العابدين بن علي، وسقط المئات من القتلى والجرحى، لكننا لم نسمع كلمة واحدة في مجلس النواب العراقي تضامناً مع الشعب التونسي واستنكارا لوحشية نظام بن علي. ومنذ شهرين انتفض الشعب المصري ضد نظام حسني مبارك الذي قتلت قواته أكثر من 300 شخص وجرح اكثر من ألف في كل انحاء البلاد، ولم يتحرك مجلس النواب لعقد جلسة للتضامن مع اكبر شعب شقيق. ومنذ شهرين يواصل الشعب اليمني انتفاضته ضدquot;صدام الصغيرquot;الذي يستخدم قواته الثقيلة والعتاد الحي في سفك دماء اليمنيين وإزهاق أرواحهم، ولم يطلب أحد من اعضاء مجلس النواب عقد جلسة او إلقاء خطبة للتضامن مع الشعب اليمني. ومنذ خمسة أسابيع ينفّذ نظام العقيد معمر القذافي مجزرة رهيبة ضد الشعب الليبي شبيهة بتلك التي نظّمها صدام حسين ضد الشعب العراقي في العام 1991، حتى ان مجلس الأمن أضطر لإصدار قرار يبيح استخدام القوة ضد القذافي لردعه ووقف جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها، ولم يتحرك الدم في عروق أعضاء البرلمان العراقي للتنديد بهذه المجزرة والتضامن مع الشعب الليبي وتقديم المساعدات له، الأغذية والأدوية في الأقل!
وقبل هذا كله، لم نسمع من مجلس النواب ولا من الكتل والائتلافات السياسية التي يتشكل منها، أي كلمة أو حتى إشارة مواربة للأسف عما سفك من دماء وأزهق من أرواح في ايران بين صفوف المحتجين على تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعلى القمع المتواصل للمحتجين.. الوحشية التي قمع بها النظام الإيراني شعبه أفزعت حتى الرُّضّع في مهودهم، فيما نواب الشعب العراقي لم يرفّ لهم جفن!
أكثر من هذا انه منذ أربعة أسابيع خرج عشرات الآلاف من العراقيين في تظاهرات لإصلاح النظام ومكافحة الفساد وتأمين الحقوق الدستورية وصون الحريات المدنية وتوفير الخدمات الأساسية، وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بالحديد والنار بالضبط كما حدث في البحرين وقبلها في تونس ومصر واليمن، ولم يستح مجلس النواب، الذي يفترض ان كل عضو فيه هو ممثل للشعب، من نفسه ليعلّق أعماله ويقيم مأتما للضحايا احتجاجا على القمع الحكومي.
الدم البحريني غال من دون شك.. ولكن لماذا يستهين مجلس نوابنا بقيمة الدم التونسي والدم المصري والدم اليمني والدم الليبي والدم الإيراني.. بل الدم العراقي ايضاً؟.. لماذا؟.. لماذا؟
إن مجلس نواب تحرّكه العصبية الطائفية والانتهازية السياسية لا ينفع الشعب العراقي ولا يحظى باحترامه.. ما ينفعه ويخدم مصالحه ويحوز على احترامه وثقته هو مجلس نواب يتحلّى بحس إنساني وسياسي تستثيره كل أعمال القمع، أينما وقعت.. في البحرين أو تونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا.. في إيران أو في العراق أيضا.
التعليقات