صلاح منتصر


كل الشباب الذي ذهب الى ميدان التحرير وأشعل ثورته التي امتدت الى كل مصر. هذا الشباب كل أفراده سنهم أقل من 30 سنة، أي أنه ولد وتربى ونما وتعلم في عصر حسني مبارك، ولم يعرف غير حسني مبارك وسوزان مبارك وعلاء مبارك وجمال مبارك، ورغم هذا فقد أصر وصمم على اسقاط حكم هذه الأسرة!
وهذا الشيء نفسه حدث في تونس وفي اليمن وليبيا.. فكل الشباب الذين ثاروا على رؤسائهم لم يعرفوا حكاما غير حكامهم، مما قد جعل هؤلاء الحكام يطمئنون ويعتقدون أنهم لم يعودوا فقط حكاما على هذا الشباب وانما أيضا آباء لهم لا يمكن أن يثور عليهم أبناؤهم، فمن النادر أن يثور الابن على أبيه. فما الذي جعل هؤلاء الأبناء يحملون هذه الكراهية لحكامهم؟ من المؤكد أن وسائل العصر التي سبقوا في التعامل بها قد أرتهم ما تصور الآخرون أنه خافيا عليهم، فعرفوا الحرية وتداول السلطة والتغيير والديموقراطية. وبينما كانت الأنظمة تنهار عن طريق الانقلابات التي تخطط لها الخلايا السرية والتحركات الخفية، فقد كانت المفاجأة أن مختلف الثورات الشبابية العربية جرت بغير اتفاق أو تنظيمات.
وهذا السؤال عن تمرد وثورة الذين تربوا في حضن النظام سبق أن سأله آخرون في الاتحاد السوفيتي، عندما فوجئوا بانهياره من دون طلقة رصاص واحدة، وكان أعجب من الانهيار عدم تصدي أحد للدفاع عنه من الذين ولدوا ونموا وكبروا في أحضانه، حتى على سبيل الوفاء. وكانت دهشة الكثيرين في وقتها من سرعة تفكك هذه الامبراطورية على يد مواطني الامبراطورية الذين من المفروض أن يحموها، ثم في ما بعد أرجعوا السبب الى التلفزيون والفضائيات التي نقلت الى المواطن السوفيتي المحاصر في وطنه والممنوع من السفر صور حياة الآخرين في الدول غير الشيوعية، وكيف ينعمون بحياتهم وحريتهم وينتجون ويعملون ويكسبون، وهم في داخل الامبراطورية لا ينعمون بما تنعم به الحيوانات في بلاد الغرب.
ومثل هذا السؤال كان موضوع نقاش في داخل اسرائيل عام 1987، الذي شهد قبل نهايته انتفاضة الحجارة الأولى من أطفال ولدوا وتربوا في ظل الاحتلال الاسرائيلي لأرضهم منذ عام 1967، وقد تصور الاسرائيليون أنهم ضمنوا ولاء هؤلاء الأطفال، ثم كانت المفاجأة عندما اكتشفوا أن جذور الوطن تنمو وحدها في داخل كل مولود ولا يمكن قتلها.
وفي الصين يبدو أن هذا السؤال مثار هذه الأيام، فهناك جيل حديث ولد بعد عمليات الاصلاح الاقتصادي التي انتقلت بالصين عدة قرون الى الأمام، فتعلموا وسكنوا في بيوت أكثر راحة وكسبوا وسافروا، وأصبحوا أكثر انفتاحا على العالم عن طريق التلفونات والتلفزيون والانترنت، ورغم هذا فان هذا الجيل يبدو أنه أكثر جرأة من الذين سبقوه، وأطماعه بلا سقوف، وأصبح يتحدث عن حقه في الاضراب والمطالبة بحقوق أكثر، لدرجة أن احصائية أظهرت وقوع 27 اضرابا في العام وحده، وخذوا بالكم نحن نتحدث عن الصين!