رياض نعسان أغا
وقد تباينت الآراء، فهناك من رأى أن تدخل الغرب هو حملة صليبية جديدة على ليبيا، وهناك من لم ينس بعد أن الشعب الليبي هو الذي طلب هذه النجدة، وهناك من يرى وهو محق أن الغرب تجاوز حد المهمة، وبات يستهدف المدنيين، وهو يناقش مهمته: أهي حماية المدنيين عبر فرض حظر جوي أم هي إسقاط القذافي؟ والمفارقة أن هذا الاضطراب في تقويم ما يحدث وصل إلى قائدي روسيا، فقد رأى بوتين أنها حملة صليبية بينما رأى ميدفيديف أنها ليست كذلك، وليس بوسعنا أن نتهم الغرب بأنه يتدخل في شؤون لبيبا، بعد أن أصرّ على وجود غطاء عربي لتدخله، وعلى أنه يلتزم بقرار مجلس الأمن بعدم القيام باحتلال، وهناك من يرى أن الغرب ضيق الخناق على القذافي وأغراه بالدعم حتى يجد مبرراً للتدخل، وأن النائب العام للمحكمة الدولية حرك القضايا ضد القذافي وأولاده لإجباره على متابعة حربه ضد شعبه، وهناك من يرى أن المجلس الانتقالي منح القذافي فرصة ثلاثة أيام للتنحي والخروج الآمن مع التعهد بعدم الملاحقة حقناً لدماء الليبيين لكن القذافي رفض وأصرّ على ملاحقة شعبه.
والمحنة الكبرى أن وجود الغرب بشرعية دولية لا يحقق أهدافاً معادية للأمة في ليبيا وحدها، وإنما سيتيح للغرب وللصهيونية من خلاله أن تفرد ذراعيها على ثورتين في الجانبين، ولن يكون بمقدور أحد أن يلوم الثورة الليبية إن هي اعترفت بالجميل للولايات المتحدة ولفرنسا بخاصة بعد أن أنقذتها من الإبادة وساعدتها على التخلص من كابوس القذافي، الذي جثم على صدر ليبيا أربعة عقود ونيف، ولئن كان الغرب قد تمكن من زرع القذافي في قلب الوطن العربي بشكل خفي منذ أن قام بما سماه ثورة الفاتح فلم تنكشف حقيقته على الملأ إلا حين شتم العرب وانتمى إلى أفريقيا. ورغم محاولاته لمنح quot;كتابه الأخضرquot; قدسية وجعل نظريته الفارغة ديناً إلا أن سذاجة فكره، جعلت ما يكتبه ملهاة وموضع سخرية، والمهم الآن أن الغرب والصهيونية لن يكونا محتاجين إلى العمل في الخفاء، وهذا لا يعني أن الشعب الليبي سيقبل مشاريعهم، ولا أن الغرب الصهيوني سيقدم مشاريع معادية للعروبة والإسلام بشكل فج، لكن الغرب سيضمن حضوره وبقاء مصالحه في الشمال العربي- الأفريقي وهو الخبير في سياسات الاستيعاب.
وثمة سؤال بدأ يلح على كثير من المرتابين فيما يحدث، أتكون هذه الثورات التي قامت في الوطن العربي فرصة تاريخية، سرعان ما التقطها الغرب الذي فشل في فرض مشروعه الذي سماه (الشرق الأوسط الجديد)، فبدأ بعد قلقه منها يستعد لأخذها إلى الفوضى الخلاقة كما يريد، ولا أشك في قدرة الشباب العرب على حماية ثوراتهم، وقد كنت من أشد مؤيديها رغم فداحة المصاب بمن قضوا من شباب الأمة بيد إخوانهم وأشقائهم من رجال الأمن الذين تحولت مهمتهم من الحفاظ على أمن الشعب إلى الحفاظ على أمن الحاكم وأسرته في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.
لقد أخفقت الحلول الأمنية في إيجاد حلول لأية مشكلة سياسية، فالسياسة تواجه بالسياسة، وقد كانت الأخطاء الكبرى في البلدان التي نهضت فيها الثورات هي اللجوء السريع للحل الأمني الذي لا يملك سوى القوة المسلحة، وأنا هنا أجد من الحكمة أن تنفتح الحكومات العربية على الحوار الداخلي مع شعوبها، فالأمة التي تدعو العالم إلى حوار الحضارات والثقافات لابد لها من أن تبدأ الحوار داخل ثقافتها وسياستها.
إنه أمر مفجع أن نرى الدماء العربية تنزف في الساحات التي كان يمكن أن تكون ساحات حوار بدل أن تكون ساحات دماء، ويجب أن يقود الحوار عقلاء الأمة وحكماؤها، ويفترض أن تأتي الحلول السياسية قبل الحلول الأمنية وليس بعدها.
وأرجو أن يتنبه العرب جميعاً إلى خطر استغلال إسرائيل لما يحدث في الوطن العربي من اضطراب وجدته فرصة لتصعيد عملياتها الإرهابية ضد شعبنا الفلسطيني وبخاصة في غزة حيث يخشى الإسرائيليون من أن يحقق الفلسطينيون إنهاء حالة الانقسام ، والعودة إلى موقع وطني موحد.
التعليقات