محمد بن عيسى الكنعان

في عام 1990م اجتاح نظام صدام حسين ونظامه العبثي، بقواته العسكرية الكويت واحتلها في أغسطس من نفس العام، ما أحدث أكبر شرخ في بنيان التضامن العربي بسبب اختلاف مواقف الدول العربية من هذا الاحتلال. هذا الشرخ كان سبباً في عدم استطاعة حكومات هذه الدول إخراج صدام من الكويت دون الاستعانة بقوات أجنبية، أو إقناعه بالامتثال للقرارات الدولية، خاصةً بعد تدويل قضية احتلال الكويت، ولأن صدام لم يمتثل لتلك القرارات، فقد صدر قرار مجلس الأمن رقم (678) القاضي بتحرير الكويت، فاجتمعت 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الخليج، وهبت عاصفة الصحراء ضد نظام صدام في يناير 1991م، وبالفعل تحررت الكويت انطلاقاً من أرض المملكة الدرع الحصين، ثم كانت سنوات معدودة، وقادت أميركا تحالفاً غربياً لاحتلال العراق بدعوى البحث عن أسلحة الدمار الشامل، التي لم تكن موجودة إلا في عقول المحافظين الجدد بالإدارة الأميركية، مع الزعم الكاذب أن العراق يهدد أمن بلادهم، ولتخليص الشعب العراقي من حكم طاغية بإقرار نظام ديمقراطي، فوقعت حرب الخليج الثالثة عام 2003م ضد العراق رغم اعتراض الدول العربية، فسقط نظام صدام وبقي العراق يعيش التداعيات السلبية لهذه الحرب المدمرة بفوضى أمنية وعملية سياسية كسيحة. وفي سيناريو مشابه كان إسقاط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001م من قبل التحالف الغربي وحلف الناتو بدعوى محاربة الإرهاب العالمي والداعمين له، وتحويل أفغانستان إلى واحة من الحرية وحقوق الإنسان، غير أنها تحولت إلى وحل للمخابرات الدولية والمقاومة الأهلية.

من رحم ذاكرة تلك الأحداث التي تحمل بين طياتها الخير والشر معاً، يأتي أكثر من سؤال عن موقف الغرب اليوم من نظام القذافي: فلماذا تتباطأ الحكومات الغربية عن حسم هذه القضية مع هذا النظام الدموي؟ خاصةً أن مواقف الدول العربية تشابه إلى حدٍ كبير موقفها من نظام صدام. لماذا قرار حظر الطيران فوق الأراضي الليبية وقصف كتائب القذافي لم يصدر إلا بعد شهر من حمام الدم؟ لماذا يتردد الغرب في الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي؟ في مقابل اعترافه السريع بالمعارضة العراقية، التي عاشت تحت العباءة الإيرانية، رغم أنها لا تروق للغربيين بواقع تضارب المصالح بين الحكومات الغربية والحكومة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والتصادم السياسي في المحافل الدولية.

هذه الأسئلة وغيرها ربما تعكس العقلية الغربية في التعامل مع قضايا الأمة العربية، وهي تختلف قطعاً عن عقليتها الحاكمة في بلدانها الديمقراطية، فالعقلية الغربية في منطقتنا العربية ذات نظرة إمبريالية تقوم على خيار الحرب (القائمة) أو الاستعمار (القادم)، وهذا ما يحدث اليوم في ليبيا! فالحكومات الغربية عاصرت نظام القذافي منذ أن جاء من مجهول العمالة قبل 42 عاماً بأكذوبة الفاتح من سبتمبر وإلى يومنا هذا، الذي يشهد كيف يُبيد العقيد القذافي شعبه بالقصف الجوي والرصاص الحيّ، بعد أن وصفهم بالجرذان، واعتبرهم زنادقة وخونة.

إن الغرب الذي يُمسك بتلابيب القرار الدولي في المنظمات العالمية تفرج على حرب دائرة غير متكافئة بين ثوار ليبيا الذين تقف معهم الشعوب العربية وليس حكوماتها فقط، وبين كتائب نظام القذافي الذي فقد شرعيته من أول يوم للثورة، هذا الموقف السلبي من قبل الغرب يحمل دلالة جلية على أنه كان ينتظر أن تصل الأمور العسكرية الدائرة سوءاً، ما يدفع الشعب الليبي بمجلسه الانتقالي إلى إعلان طلب التدخل العسكري الغربي صراحة، وليس مجرد حظر طيران، خاصةً أن هذا الشعب الأبي كان يرفض هذا التدخل وقد قبل به مجبراً. وهو ما تحقق للغرب فعلياً خلال هذه الأيام، وهنا تحل الكارثة بليبيا لا قدر الله، فقد يكون الاستعمار الحمر (الغرب) بديلاً للاستعمار السمر (نظام القذافي) بوجود القواعد العسكرية الغربية على الأراضي الليبية، في ظل غياب تام للقوة العسكرية العربية.