أحمد جمعة

الولايات المتحدة بعد ان أدركت ان مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته مع بداية الحركة الشبابية في تونس ومصر وبعد أسابيع من سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، بدأت الخلافات تعصف بأقطاب البيت الأبيض فيما بدا الارتباك والفوضى تعم ادارة الرئيس الأمريكي أوباما وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الخلافات داخل حلف الأطلسي في العملية العسكرية في ليبيا وكذلك في الفوضى التي تعم الشارع السياسي المصري والتي لم تتوقف بعد تلبية كل المطالب التي كان يطالب بها شباب 25 يناير، فلا يكاد يمر يوم لا تجري فيه المظاهرات والاعتصامات بالإضافة الى أعمال النهب والسلب والاختطاف، وقد امتدت هذه الأعمال الى تدمير المقرات الحكومية والأمنية وبلغ الأمر بحرق مبنى وزارة الداخلية التي هي رمز الأمن في البلاد.
اسرائيل قلقة من الوضع في مصر وأمريكا قلقة هي الأخرى من الوضع في مصر خاصة وان المؤشرات تؤكد على وجود اتجاه متطرف يحاول الهيمنة على السلطة ووقف عملية السلام في الشرق الأوسط والدخول في حالة من التوتر مع اسرائيل وهذا ما دفع ببعض أعضاء الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهوريين للتوجس من النظام غير المستقر في مصر والذي أسهمت الولايات المتحدة نفسها في ايجاده مما استدعى غضب اسرائيلي غير رسمي.
لبنان أيضاً تورط في مستنقع الفوضى بعد الانقلاب على حكومة سعد الحريري اثر تراخي القبضة الأمريكية في عهد أوباما وقد شجع ذلك حزب الله على اقامة حكومة تابعة له واجهتها الرئيس ميقاتي والتي لم تشكل بالصورة التي كان يطمح لها حزب الله نتيجة مواقف حركة 14 آذار التي فشلت في السيطرة الكاملة لحزب الله على لبنان وان كان اليوم يدير البلاد من وراء رئيس الجمهورية المسيحي الذي يبدو انه قد همش حتى النخاع وهناك حديث هامس في صفوف الجيش اللبناني عن دور رئيس الجمهورية المسيحي الذي تآكل لصالح قوى حزب الله، هذا الوضع أيضاً جعل الادارة الأمريكية تراجع أوراقها في لبنان.
على صعيد الخريطة السياسية الجديدة التي كان يراهن أوباما على السير فيها حتى يتم تعميم المشروع بالكامل في المنطقة، فوجئ بصلابة موقف القذافي الذي كان من المخطط له ان يسقط قبل شهرين ولكن ما زال بالرغم من العملية الجراحية الخطيرة التي أجريت هناك انه بدا صامداً، واذا ما قدر له الصمود بضعة أيام أخرى فانه من المحتمل ان يشكل ذلك ضغطاً داخلياً في الولايات المتحدة نفسها وكذلك على الصعيد الدولي مع حلفائه الأوروبيين، حيث تبدو المستشارة الالمانية ميركل غير متحمسة للعملية بقدر فرنسا التي تحاول اختطاف العملية العسكرية لحسابها بعدما تم التنكيل بالرئيس الفرنسي ساركوزي على اثر موقفه من الوضع التونسي وتعاطفه للنهاية مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فأرادت باريس التعويض عن هذا الوضع وعن الموقف كذلك من مصر بالمراهنة على ليبيا فكان لها ذلك وجَرّت واشنطن الى مستنقع القذافي الذي ان تمكن من البقاء بعد ذلك وهو أمر بالغ الصعوبة فان السياسة الأمريكية تكون قد تلقت أكثر من ضربة في مشروعها للشرق الأوسط الجديد.
أما التآكل الشديد الذي أصاب المشرع فهو المتمثل في تزايد الوضع تدهوراً في العراق الذي أصبح ولاية ايرانية بعكس ما كانت تريده السياسة الأمريكية أبان الثنائي بوش- رامسفيلد والذي جعل من العراق دولة شيعية على انقاض الدولة العلمانية السابقة، وهو ما قوى ايران في الجبهة المضادة للولايات المتحدة وهذا أيضاً فشل ذريع ستدفع ثمنه ادارة الرئيس الأمريكي الأسود، ما جعل بعض الأصوات في الشارع الأمريكي ترتفع قائلة ان هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يدخل فيها البيت الأبيض رئيس أمريكي أسود، وهناك من يسرب بأن من يحكم الديمقراطيين اليوم هي السيدة كلينتون وهذا ما يبدو واضحاً من الفوضى والارتباك الذي يعصف بالسياسة الأمريكية مما لم يسبق له ان حدث من قبل في البيت الأبيض حتى خلال فترة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون التي تعتبر لدى الأمريكيين من أسوأ الفترات في تاريخ أمريكا.
كل هذا التشابك والارهاصات والتداعيات المنتظرة خلال الفترة القادمة ترشح لأن تتعرض ادارة أوباما لانتكاسة ستضع مصير الديمقراطيين على المحك... ولن يغفر الديمقراطيون لأنفسهم ترشيحهم لهذه الشخصية المتذبذبة فيما سيشكل ذلك مدخلاً لعودة حكم الجمهوريين الذين عرفوا بالتماسك السياسي والمعنوي خلال فترات حكمهم.