عبد الحميد الأنصاري

في أعقاب مباحثاته مع رئيس الوزراء التركي أردوغان، دعا وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى تعزيز المشاركة الإقليمية (العربية) في جهود الائتلاف الدولي (28 دولة) الذي يقوم بتنفيذ الحظر الجوي وحماية المدنيين في ليبيا، طبقاً لقرار مجلس الأمن 1973، مشيراً إلى الدور الخليجي الحاسم ومن بعده الدور العربي الفاعل في حشد هذا الجهد. والمعروف أن دولة الإمارات تقوم بتقديم المساعدات الإنسانية للمساهمة في تخفيف معاناة الشعب الليبي، كما تعهدت بإرسال 12 طائرة مقاتلة لدعم جهود التحالف الدولي في مراقبة الحظر الجوي وحماية المدنيين، وقد فعلت. كما تساهم قطر في العمليات العسكرية حالياً بـ6 طائرات مقاتلة، أصبح بعضها يحلق في سماء ليبيا لمنع قوات القذافي من مهاجمة المدنيين. ولا يخفى الدور القطري الفعال في مساندة الثورة الليبية منذ البداية، مروراً بمجلس التعاون الخليجي، فالجامعة العربية، فمؤتمر باريس، وصولاً إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وبذلك تكون قطر أول دولة عربية تشارك في الائتلاف الدولي في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1973. وإذا استثنينا المساهمتين القطرية والإماراتية، فإن المشاركة العربية الفعلية في الجهد العسكري هزيلة جداً، رغم آمال ومساعي التحالف الدولي في مشاركة عربية أكبر، بهدف تأمين أوسع دعم ممكن في الساحة العربية والإسلامية لعملياته العسكرية. وحتى لا تظهر هذه العمليات وكأنها quot;حرب الغرب على العرب والمسلمينquot; ويستغلها النظام الليبي في تصويرها كحرب صليبية ضد المسلمين -وهو قد فعل ذلك- كان المعوّل والمأمول من مصر وهي الدولة العربية الكبرى، أن يكون لها إسهام رمزي في العمل العسكري وبخاصة أن مسؤوليتها أكبر في حماية شعب شقيق وجار، كما أن الوجود المصري ضمن الجهد الدولي يمنحه شرعية عربية مؤكدة ويعطي رسالة سياسية عن طبيعة الدور المصري النشط خارجياً في المرحلة المقبلة كما يقول صلاح سالم. لكن مصر عللت رفضها التدخل بخشيتها على سلامة مواطنيها المقيمين هناك، والأردن رفض المشاركة العسكرية ووعد بتقديم مساعدات لوجستية في إطار الدعم الإنساني والطبي. وهكذا تقاعست بقية الدول العربية -مع أن مسؤوليتها القومية- عن المساهمة في دعم الجهد الدولي الساعي لحماية شعب أعزل من ديكتاتور قرَّر قصفهم بالطائرات والبوارج والدبابات لأنهم أرادوا التحرر من العبودية. إن هذا التقاعس عن الجهاد لإنقاذ شعب مستضعف لهو أمر يتنافى والمسؤولية الدينية والقومية والأخلاقية وبخاصة أن الجامعة العربية وبعدها الشرعية الدولية دعتا للتعاون مع الأمم المتحدة في تنفيذ قرار الحظر الجوي وحماية المدنيين. لذلك ينبغي للقادة العرب تحمل مسؤوليات منطقتهم. ومن المؤسف كما يقول الكاتب البريطاني باتريك سيل أن يغيب السلاح العربي ولا يتعزز وجوده في ميادين الكرامة والتحرر، وقد يكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل، إذ يدفع بالديكتاتور المحاصر للادعاء بأن أهداف التدخل الدولي هي الاستيلاء على نفط ليبيا، وهو فعلاً ردد هذه المزاعم وهناك في الساحة من يصدقها، وبخاصة أن تركيا التي تقوم بدور نشط في ترويج هذه المزاعم قد اتهمت فرنسا بأنها لا ترى quot;سوى النفط ومناجم الذهب والكنوز الموجودة تحت الأرضquot;، في الوقت الذي تتظاهر فيه بأنها حريصة على المدنيين وتخشى أن تصبح ليبيا عراقاً آخر! وهي مزاعم باطلة يراد بها حماية نظام فقد شرعيته لمصالح ضيقة تتمثل في 200 شركة تركية تعمل في الجماهيرية و30 ألف تركي يعملون هناك وعقود مليارية عقدتها تركيا مع نظام القذافي. الخذلان التركي للشعب الليبي واضح، إذ لم تكتف تركيا بالاعتراض على القرار الدولي 1973 ومعارضته بل لعبت دوراً معوّقاً للتحالف الدولي وأثارت تشكيكاً واسعاً في أهدافه وقامت بحملة دبلوماسية مكثفة ضد تطبيق القرار، لكن حمداً لله أن لا أحد استمع لنصائح أردوغان (كما اعترف). كرر أردوغان للعالم وللعرب مقولة quot;نرغب في أن يحل الشعب الليبي قضاياه بنفسه من دون التدخل الخارجيquot;، حسناً... ولكن كيف يستطيع الشعب الأعزل حل قضاياه مع نظام قمعي وصفه بالجرذان والخونة، وقرّر أن يحكمه أو يصفيه بلا رحمة فرداً فرداً؟!

دافع أردوغان عن موقفه أمام البرلمان بالقول إن تركيا تؤيد التغيير في المنطقة وأنها لن تكون في جانب من يوجه السلاح إلى شعبه، وأن علاقته بليبيا ليست مدفوعة بالعطش إلى النفط ومصالح بحتة، لكنه دفاع لا يقنع أحداً، ويذكرنا بموقفه إبان تحرير العراق، إذ رفضت تركيا عبور القوات الأميركية أراضيها لدخول العراق، فدخلتها من الكويت، فهلّل وطبّل منظرو الإسلام السياسي لهذا الموقف التركي quot;البطوليquot;، وقام رمز إسلامي شهير من على منبر الجمعة مكبراً: quot;حيا الله الأتراك خاسري المليارات، بينما العرب يقدمون التسهيلات مجاناًquot;، وتناسى هؤلاء المخدوعون أن نفس البرلمان الذي رفض عبور القوات هو نفسه الذي وافق على فتح الأجواء أمام طائرات التحالف لتدكّ العراق دكاً! كان الثمن في الحالة الأولى غير كاف بسبب أطماع تركيا التاريخية في نفط الموصل وكركوك، بينما كان الثمن في الحالة الثانية كافياً. الخذلان التركي لا علاقة له بالخوف على المدنيين، وإنما بالموقف الفرنسي المعرقل لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فأرادت تركيا تصفية حسابها مع فرنسا بالاعتراض على دورها الداعم للشعب الليبي، وهو دور مشرّف يستحق كل التأييد تماماً كالدور الخليجي الباعث على الفخر والاعتزاز.

ويبقى أن نقول إذا كانت تركيا أردوغان لا تستطيع أن تحذو حذو دول مجلس التعاون الخليجي في موقفها المشرف والتاريخي مع الشعب الليبي، فليس هناك -طبقاً للكاتب الليبي فضيل الأمين- أفضل من السكوت.