علي إبراهيم


فجأة ظهرت على سطح المشهد السياسي في مصر بعد ثورة laquo;25 ينايرraquo; الجماعات السلفية بخطاب منفر متوحش لتمتلئ الصحف ووسائل الإعلام المصرية بأخبار وقصص هذه الجماعات من قطع أذن أحد الأشخاص إلى الحديث عن غزوة الصناديق في يوم الاستفتاء وإعلان الانتصار لأن النتيجة جاءت بـlaquo;نعمraquo;، والتهكم على الليبرالية باعتبارها نوعا من الفسق والفجور وعظائم الأمور، وهدم الأضرحة، واعتبار الآثار الفرعونية وثنية، ودعوة غير الموافقين إلى الهجرة للغرب... إلى آخر هذا الخطاب الذي يذكر بفكر طالبان وما فعلته من جريمة ضد تاريخ الحضارة الإنسانية، في باميان.

لم يكن لهذه الجماعات أي دور في أحداث ثورة laquo;25 ينايرraquo;، أو أي حديث سياسي باستثناء ربما استخدام النظام السابق لهم في تشويه بعض شخصيات المعارضة والوصول إلى حد تكفيرهم؛ لذلك كان المشهد مفاجئا عند ظهورهم بجرأة بهذا الشكل والاهتمام الإعلامي بهم.

الجماعات السلفية قد لا تكون الوحيدة التي ظهرت على سطح المشهد في محاولة لاستثماره، وقد يكون السبب أن القوة المحركة، التي دفعت الأحداث إلى الإطاحة بالرئيس السابق، لم تكن منظمة، وحتى لم تكن تتصور، في البداية، أنها ستنجح إلى هذا الحد، وعندما سقط رأس النظام لم يكن لديها خطة عمل فورية لملء الفراغ، وبالتالي قفز الآخرون.

الفرق أن الجماعات السلفية هي الأكثر استفزازا وتنفيرا، وهذا الذي دعا بعض الناس إلى التساؤل عن مغزى هذا الظهور المفاجئ، وما إذا كان جزءا مما يطلق عليه في مصر الثورة المضادة، أو تخويف الناس مما هو قادم.

ليس هناك أي خطاب سياسي رشيد لدى هذه الجماعات؛ فهي نجحت بامتياز في استفزاز الناس وتخويفهم، ولا أحد يعتقد أنهم يمكنهم أن ينجحوا في الانتخابات البرلمانية المقبلة في تحقيق أي وجود ملحوظ، كما أنهم نجحوا بامتياز في استفزاز مفتي مصر الذي هاجمهم في خطبة نارية يوم الجمعة، وكذلك الطرق الصوفية في مصر التي تشير تقديرات إلى أن عددهم 15 مليونا بهجماتهم على الأضرحة، إلى الحد الذي دعا أحد مشايخ الصوفيين إلى التلويح بتكوين صوفية جهادية للتصدي للسلفيين.

ويبرز هنا تساؤل: هل نحن أمام سيناريو مجنون يقود إلى فوضى يختلط فيها الدين بالسياسة في laquo;كوكتيلraquo; متفجر يأكل الأخضر واليابس تكون أطرافه جماعات متناحرة تروع الناس، وتريد فرض فكرها على المجتمع، وكل منها يعتقد أن لديه تفويضا إلهيا؟

لا يوجد أحد يعتقد هذا السيناريو؛ لأن هذا الفكر أو الأسلوب مخالف للنسيج العام للمجتمع، وعلى العكس هناك من يعتبر أن خروج الجميع إلى السطح، حتى لو كانوا مستفزين، يجعل كل شيء في النور وأمام الرأي العام ليجري الفرز بين ما هو صالح وطالح، وليتعرف الناس على الفكر الحقيقي لبعض الجماعات التي كانت مختبئة وتحت السطح.

قد يكون المستفيد من هذه الجماعات السلفية هو جماعة الإخوان المسلمين التي تبدو، جماعة معتدلة جدا في خطابها الحالي، مقارنة بالسلفيين، لكن حتى خروج الإخوان إلى النور والعمل العلني أظهر التباينات داخلها ووجود فكر جديد بين شبابها معارض للأفكار التقليدية القديمة داخلها. من دون شك ستكون الفترة المقبلة فترة قلقة في التاريخ السياسي لمصر، المشهد مليء بكل القوى السياسية برؤى مختلفة، وستكون فترة فرز لحين تشكل الملامح شبه النهائية، فما حدث في ثورة laquo;25 ينايرraquo; هو تفجير شرارة التغيير، لكن التسوية النهائية، كما يطلق عليها، أو الشكل النهائي، سيأخذ وقتا، ربما يتجاوز تاريخ الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، وقد يأخذ سنوات.