تل أبيب


ردود الفعل الإسرائيلية على تراجع القاضي الجنوب أفريقي جولدستون عن تقريره السابق الذي أدان فيه ما فعلته إسرائيل إبان حرب غزة، والتطورات السورية، وانتقاد إسرائيل لسياسة الاشتباك الإيجابي التي تتبعها الولايات المتحدة مع دمشق... موضوعات نعرضها لكم ضمن جولة أسبوعية في الصحافة الإسرائيلية.

التمادي في الفرحة

تحت عنوان quot;جولدستون لن يساعدناquot;، أشار quot;ألون لييلquot; في عدد quot;يديعوت أحرونوتquot; الصادر أول من أمس الاثنين إن هناك في الوقت الراهن العديد من مظاهر الابتهاج (المبررة إلى حد كبير) في إسرائيل بعد أن كتب القاضي الجنوب أفريقي quot;جولدستونquot; مقالاً في quot;الواشنطن بوستquot; قال إنه يجب إعادة النظر بتقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة التي ترأسها للتحقيق في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل عامين، وأنه يعرف الآن ما حصل في الحرب على غزة أكثر مما كان يعرف حين رأس البعثة ولو كان يعرف يومها ما يعرفه الآن، لكان تقريره وثيقة مختلفة عن تلك التي أصدرها. وقال الكاتب إن على إسرائيل ألا تتمادى في تلك الاحتفالات لأن تقرير القاضي الجنوب أفريقي، وإن كان سيساعد بعض الشيء على تحسين صورة جيش الدفاع الإسرائيلي التي ساءت كثيراً خلال السنوات الأخيرة خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن الأمم المتحدة نفسها قد امتدحت إسرائيل لقيامها بإجراء تحقيق ذاتي بشأن ما ارتكبه جنود إسرائيليون بشكل فردي خلال عملية quot;الرصاص المسكوبquot; في قطاع غزة منذ أكثر من عامين، إلا أنه لن يكون ذا أثر كبير في علاج عدد كبير من المشكلات التي تواجهها إسرائيل على المستوى الدولي وأهمها على وجه الإطلاق السياسات العدائية التي تنتهجها الغالبية العظمى من الدول المحيطة بإسرائيل، والتي سيمضي وقت طويل قبل أن تتمكن الدولة من التعامل معها. وفي إطار تعداده للتحديات التي تواجه دولته قال الكاتب إن على إسرائيل أن تترك الاحتفالات جانباً، وتستعد للاقتراح الذي سيقدم للأمم المتحدة بإعلان دولة فلسطينية مستقلة، والتي تعتقد إسرائيل أنه سيوافق عليه بأغلبية ساحقة على الرغم من كافة الجهود التي بذلتها إسرائيل وتبذلها من أجل منعه خصوصاً أن صدور مثل هذا القرار سوف يتيح الفرصة للفلسطينيين لرفع المئات من الدعاوى ضد اسرائيل تتهمها بارتكاب انتهاكات ضد الأراضي الفلسطينية والسكان الفلسطينيين منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة من عام 1967، وهي دعاوى سوف تخلق لإسرائيل تداعيات قانونية وأخلاقية كبيرة ما لم تتفق إسرائيل مع الفلسطينيين على ترتيبات معينة يتعهدون بموجبها بعدم تقديم تلك الشكاوى، وأنهى الكاتب مقالته بالقول إن تل أبيب يجب أن quot;تقبض على الثور من قرنيهquot;، يقصد أن تواجه مشاكلها وجهاً لوجه ولا تتهرب منها خلال الشهور القادمة للحيلولة دون حدوث صدع خطير وتدهور كبير في علاقة إسرائيل بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي في مجالات عديدة.

quot;ثقافة مدمرةquot;

أما صحيفة quot;هآرتسquot; فقد تناولت الموضوع من زاوية أخرى وذلك في افتتاحيتها الاثنين الماضي، التي اختارت لها عنوانه هو quot;جولدستون رجل نبيلquot; حيث أثنت عاطر الثناء على القاضي جولدستون ووصفته بالرجل النبيل ذي الضمير الحي الذي لم يتردد لحظة عندما اكتشف أنه قد وقع في خطأ ما في التقدير أن يعترف بهذا الخطر، بشكل علني، ويعلن استعداده لإعادة النظر في كل ما كتبه في تقريره الذي أدان ما قام به الجنود الإسرائيليون في قطاع غزة. وقالت الصحيفة إن ذلك الإعلان من جانب جولدستون لهو دليل على ثقة الرجل بنفسه، وهي ثقة أقنعت الآخرين بأنه قادر فعلاً على إصدار حكم جديد على مسألة قديمة بناء على حقائق جديدة تكشفت في تلك المسألة حينما أصدر حكمه الأول، وقالت الصحيفة إن ذلك النبل وتلك الشجاعة والثقة بالنفس تتناقض تناقضا تاماً مع الثقافة السائدة لدى المسؤولين الإسرائيليين الذين يصر كل منهم على رأيه، ولا يعترف بخطئه إذا ما تبين له من خلال التطبيق العملي أن هذا الرأي خطأ، ولا يقدم اعتذاراً لمن كان قد أساء إليهم علاوة على ما يتسم به هؤلاء المسؤولون من غرور قاتل يهيئ لهم أنهم يفهمون ما لا يفهمه الآخرون وأنهم سيفعلون أكثر مما يفعله الآخرون ويتشبث كل منهم برأيه ولا يبدي أي استعداد للتنازل عنه، بل يتعدى على كل من يحاول أن يبين له بأي أسلوب مشروع أنه قد أخطأ في التفكير، وأن ما يتبناه من آراء ليس بالسليم.

وتقول الصحيفة إن الأحوال في إسرائيل في الوقت الراهن لم تعد تسمح بهذا الغرور وهذا الإحساس الزائف بالثقة بالنفس وهذا الإصرار العنيد والغبي على التمسك بالرأي مهما كان خاطئاً. وقالت الصحيفة إن من مظاهر الخلل في الذهنية الإسرائيلية إن رد فعلها على إعلان quot;جولدستونquot; الجديد كان هيستيرياً تماماً مثلما كان رد فعلها على الإعلان الأول الذي أدان فيه إسرائيل هيستيريا، وأن رد الفعل في الحالتين ينطلق من الإحساس الدائم المترسخ لدى الإسرائيليين بأنهم ضحية لاضطهاد وتبينهم دائماً سياسات عدوانية لرد هذا الاضطهاد الوهمي في الكثير من الحالات.

quot;الاشتباك الإيجابيquot;.

quot;الحقيقة حول سورياquot;... هكذا عنونت صحيفة quot;جيروزليم بوستquot; افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي، والتي شنت فيها هجوماً عنيفاً على الإدارة الأميركية لتقاعسها على التدخل في سوريا من أجل حماية السكان المدنيين الذين قتلت منهم السلطات العشرات على أقل تقدير وقيامه بالتدخل في ليبيا من أجل تحقيق نفس الهدف وانتقدت الصحيفة سياسة الاشتباك الإيجابي، التي تبنتها الإدارات المختلفة تجاه سوريا منذ عشرات السنين، وكيف كانت تلك الإدارة تكافئ النظام السوري على أي بادرة سلام أو حسن نيه حتى لو كانت بسيطة أو حتى صورية. وذكرت الصحيفة بالدور الذي لعبته سوريا في لبنان لعقود طويلة، وكيف اجبرت على الخروج بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكيف أنها اتبعت بعد ذلك سياسة انتقامية عملت فيها على هز الاستقرار والأمن في لبنان من خلال تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال ضد الناشطين السياسيين والمسؤولين الحكوميين والصحفيين المعارضين للنفوذ السوري. وذكرت أن واشنطن قد أصدرت العديد من بيانات الإدانة في ذلك الوقت ولكنها لم تقم بشيء فعلي ضد سوريا، بل إن مجرد بادرة سلام كلامية من جانب النظام السوري دفعت الولايات المتحدة عام 2007 إلى إرسال سكرتير الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيجنيو بريجينسكي، وهو من أكبر دعاة ومؤيدي سياسة الاشتباك الإيجابي إلى دمشق لإجراء مقابلة لبحث سبل تحسين العلاقات مع النظام السوري في نفس الوقت الذي كانت تقوم فيه بإيواء حركات المقاومة الفلسطينية والزعيم السياسي لمنظمة quot;حماسquot; خالد مشعل وتقوم بإرسال الأسلحة لـquot;حزب اللهquot; وتشكل محوراً مع إيران يعمل على تقويض النفوذ الأميركي في العراق. وعادت المقالة إلى الوضع الحالي، فقالت إن الولايات المتحدة والغرب لم يتخذوا إي أجراء ضد سوريا لمعاونتها نظام القذافي والأنباء العديدة التي تواترت عن إسقاط طائرات سورية في ليبيا من بين عشرات الطائرات، التي زود بها نظام بشار الزعيم الليبي لمساعدته على قتل شعبه وأنهت الافتتاحية بالتأكيد على أن الشيء المؤكد الذي حققته سياسة الاشتباك الإيجابي، أنها أقنعت رئيساً قاس بأنه قادر على المضي قدما دون أن يخشى عقاباً من أي نوع في اتباع سياسة تتسم بعدم الرحمة تجاه شعبه في سبيل المحافظة على حكمه المستمر منذ عقود عديدة.

إعداد: سعيد كامل