ناجي صادق شراب

الجامعة العربية في حاجة إلى ثورة في داخلها تنفض عنها كل غبار الجمود وثوب القطرية الذي أثقل اهلها وحوَّلها إلى مجرد بيت عربي صغير يلتقي فيه ممثلو الدول العربية .

وقد تكون متانة المكان والمقر أقوى بكثير من متانة شاغريه . وحتى تتحقق هذه الثورة لابد أن تنجح الثورات العربية، خصوصاً الثورة في مصر . وعليه فإن نجاح الثورة في مصر نجاح لثورة الجامعة العربية . والعلاقة بين مصر والجامعة العربية ليست علاقة مكان ومقر فقط، وليست علاقة أمين عام للجامعة من مصر، بل هي هي علاقة دور ومكانة وتأثير . ولا شك في أن تراجع الدور المصري عن دائرته العربية ينعكس سلباً على دور الجامعة العربية ومشاريعها التكاملية والاندماجية وصولاً بها إلى درجة الوحدة العربية على غرار التجربة الأوروبية . ولعل من أهم عوامل ضعف الجامعة العربية سيطرة أنظمة حكم عربية فردانية غير إصلاحية منشغلة بحكمها على حساب أي عمل عربي مشترك حقيقي، والسبب الثاني في ضعف الجامعة العربية أيضاً غياب الدور الشعبي العربي في تفعيل دورها وتحويلها فعلاً إلى جامعة شعوب موحدة، وليست جامعة يلتقي فيها الحكام العرب في مناسبات محددة كل منهم يلقي موعظته السياسية التي فيها من الاستخفاف بالعمل العربي أكثر ما فيها من دعم وافتخار بها .

واليوم الوضع مختلف، فلم يعد لهذه النظم أي دور، ولم تعد الشعوب مغيبة عن دورها . والجامعة العربية بحكم موقعها في قلب التحرير ميدان الثورة المصرية، لا بد وأن تكون هي أول من هبت عبر نوافذها المغلقة رياح هذه الثورة والتغيير . ولعل من أبرز التحولات الإيجابية والتصريحات السياسية القوية التي صدرت على لسان كل رموز هذه الثورة في مصر وعلى رأسهم المشير طنطاوي ورئيس الوزراء الدكتور عصام شرف، ووزير خارجيته نبيل العربي الذي أعاد كثيراً من الثقة التي كانت مفقودة بدور مصر العربي، وكلها تؤكد البعد أو الدائرة العربية الأولى في السياسة المصرية، ولم تتوقف هذه التوجهات والتصريحات على المستوى الرسمي بل جاء تأكيدها على لسان كل القوى، بمن فيهم قادة الثورة من الشباب .

هذه هي الخطوة الأولى في تفعيل دور الجامعة العربية . وهنا لا بد من تأكيد العلاقة بين مصر والجامعة العربية، الاثنتان في حاجة كل منهما مصر العربية يحتاجها العرب جميعاً، وتحتاجها جامعة الدول العربية، ومصر بحكم مركزية دورها في قلب النظام الإقليمي العربي، ومحورية هذا الدور، فأي قوة لهذا الدور ستترجم في تفعيل دور الجامعة العربية، وهذا التفعيل هو في مصلحة مصر وكل الدول العربية .

ومن هذا المنظور قد يكون من الأهمية بمكان أن يكون أمين عام الجامعة العربية شخصية لها عمقها القومي العربي في فكرها والتزامها وانتمائها ومواقفها .

في هذه المرحلة فإن المصلحة العربية المشتركة تستوجب أن يكون الأمين العام للجامعة العربية من مصر لتأكيد دورها العربي الذي لن يستقيم أي دور للجامعة من دونه . فالنظام الإقليمي العربي في حاجة إلى مصر العروبية في دورها وتوجهاتها السياسية الخارجية، ومصر أيضاً في حاجة إلى جامعة عربية قوية تقويها وتدعمها في إعادة بناء نهضتها الشاملة . وتقوية الجامعة العربية لن تقف عند حدود التغيير في سياسات الدول العربية، بل يمكن أن تتجسد في إعادة هيكلتها وحقنها بقيادات سياسية عربية شابة وناضجة مؤمنة بالتغيير، وبالقضية العربية انتماء وولاء .

التغيير مطلوب إذا أردنا جامعة عربية قادرة على التكيف وتجسيد مشاعر الوحدة العربية، وإعادة إحيائها من خلال مشاريع تكاملية واقعية، وقابلة للتطبيق .

إن تعيين أمين عام جديد من مصر تقتضيه المصلحة العربية الجديدة، ولا يعني احتكاراً للمنصب، بل الحاجة لعودة الروح العربية للجامعة في هذه المرحلة . وبعدها، وبعد أن تقطع الجامعة العربية خطوة نحو التكامل والاندماج العربي الحقيقي، لحظتها يمكن تصور تناوب المنصب من دولة إلى أخرى، لأننا عندها نكون قد وصلنا بالجامعة العربية إلى ما نريد . ولتستفتى الشعوب حول مستقبلها في جامعتها .