إياد الدليمي

قيض الله لهذه المدينة أن تقود المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، وأيضا ضد أذنابه، وقيض لهذه المدينة أيضا أن تكون المفصل بين تاريخين، قبل وبعد معركتي الفلوجة، الأولى والثانية.. ورغم السنوات الخمس التي مضت، فإن هذه المدينة ما زالت مصرة على أن تلعب دورها الذي هيأها الله له.
لقد فجرت المدينة المقاومة أزمة جديدة بين أقطاب العملية السياسية في العراق، وصار اسمها يتردد بكثرة بين أروقة مبنى مجلس النواب العراقي، وهي التي لا يحبها غالبية هؤلاء الساسة لما تمثله من حالة استثنائية، ولكنهم كانوا مرغمين هذه المرة على ذكر اسمها،
كما أرغموا في عام 2004.
هناك تيار يقوده أعضاء في مجلس النواب من تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي، يسعى لتجريم ما جرى في الفلوجة عام 2004 واعتباره جريمة إبادة بشرية، لاحظوا، هذه المفارقة، وهذا الطرح، ما أجمله، وكم ينم عن إنسانية رائعة من نواب لم ينسوا المدينة المنكوبة رغم مرور خمسة أعوام على إبادتها، ولكن ليس هذا المشهد كاملا، وإنما هو جزء منه، فهؤلاء يريدون أن يعتبروا ما جرى في الفلوجة إبادة بشرية، من أجل تجريم خصم رئيس المالكي، إياد علاوي رئيس القائمة العراقية الذي كان رئيسا للوزراء إبان معركتي الفلوجة.
بالمقابل رد عليهم تيار إياد علاوي بالقول إن اتهام رئيس القائمة العراقية سيعني قيامهم بالرد بالمثل وفتح تحقيق حول جرائم أخرى، وصفوها بأنها جرائم إبادة جماعية متورط فيها المالكي وعدد من كبار قيادات تياره.
يا سلام!! هل رأيتم كيف يتجادل ساسة العراق، إنهم يتجادلون حول طبيعة جرائمهم، هل هي جرائم إبادة بشرية، أم أنها جرائم جماعية، أم أن لها مسمى آخر، وللأسف فهذه هي حقيقة هؤلاء.
إن جرداً سريعاً لما جرى في العراق منذ احتلاله وحتى الساعة، يثبت فعلا أن الجميع متورط بجرائم ضد العراقيين، ولكن الجرم يختلف من واحد إلى آخر، فهناك فرق بين جرم من كان رئيسا للوزراء، وآخر كان مجرد حمالة حطب يقوم بصب الزيت على النار من خلال خطبه وبياناته وتصريحاته، وما أكثرهم.
عندما هوجمت الفلوجة، في معركتين ضاريتين، تعرضت المدينة لإبادة جماعية بمعنى الكلمة، وما زالت تعاني حتى الساعة من تأثيرات تلك العمليات العسكرية التي قادتها القوات الأميركية ومعها قوات بريطانية، وأيضا قوات عراقية وأيضا، ميليشيات، بعضها تابع لأحزاب دينية شيعية وأخرى تابعة لأحزاب كردية عراقية.
وفي المعركتين، كان السيد نوري المالكي ومعه ثلة كبيرة من أعضاء قائمته اليوم، يؤيدون ويساندون القوات التي تهاجم الفلوجة، بل كان إعلامهم موجهاً بحقد عجيب على هذه المدينة، حتى إن بعضهم كان يصرح ليل نهار على الفضائيات بأن المدينة تؤوي أبومصعب الزرقاوي وتجب إبادتها.
والأكيد أن علاوي متهم ومتورط إلى حد النخاع في الفلوجة، والأكيد أيضا أن كل الثلة المتواجدة اليوم في العملية السياسية متورطة بدماء أهالي الفلوجة، وإذا كانت هناك من محاولة لإرجاع الحق إلى أهله، وإنصاف المدينة المنكوبة، فإن الحال يستلزم محاكمة الجميع، فوالله كلهم مجرمون.
وليست الفلوجة فحسب تلك التي نكبت، ولكنْ هناك مدن عراقية أخرى، عانت وشهدت مآسي وويلات، نفذها وبمنتهى الإجرام ساسة لم يغادروا كراسيهم، هؤلاء يجب أن يقدموا إلى محاكمة عاجلا أم اجلا.
ولمن يختصمون بشأن الفلوجة نقول، إن المدينة التي لقنت القوات الأميركية درسا في فنون القتال والصبر، لا تريد منكم أن تبحثوا عن قاتلها وتدينوه، ولا تريد منكم أن تنصفوها اليوم، وأنتم كنتم على قائمة سفاحيها، لا تريد منكم اليوم أن تصفُّوا دينها معكم لحساب مصالحكم الشخصية والحزبية، فهي تريد حقها منكم جميعا، الحق الذي تعرف مدينة مثل الفلوجة كيف يُسترَدُّ ومتى.
لقد فضحتهم الفلوجة عام 2004، عندما تكالب على مقاومتها الجميع، واليوم، ها هي تعود من جديد لتفضحهم وتفضح جرائمهم ليس في مدينة المساجد وحدها إنما في عموم العراق، فدماء العراقيين لن تتحول إلى ماء، ومن أجرم سينال عقابه العادل.