أحمد جمعة

اذا أردت أن تعرف ماذا يجري في بلادك عليك أن تعرف ماذا يجري في منطقتك الاقليمية وعالمك المحيط بك وحتى في بيتك الصغير مع أولادك وأسرتك، فنحن اليوم في زمن المفارقات السريالية والأزمة المالية والتحديات الدولية ولا اغرب من زيارة الرئيس الايراني للبنان والاحتفاء به كما لو كان جمال عبدالناصر أبان فترة حكم الرئيس فؤاد شهاب أو الرئيس آيزنهاور خلال فترة المد الغربي في لبنان حين كان كميل شمعون.. هكذا صار الزمن لا عربياً ولا غربياً بل إيرانياً، فالمد الايراني اليوم بما يمثله من فقدان الواقع العربي لكينونته وغياب الدول العربية الكبرى كعراق صدام حسين ومصر عبدالناصر وجزائر هواري بومدين، حل عصراً بلا هوية ولا معنى سوى ان العرب على غير عادتهم تنازلوا للآخرين عن قيادة تاريخهم.
ليس من سخرية القدر ولا من حكم الزمن العربي ان نرى اليوم العراق ممزقاً والسودان معرضاً للتقسم والعماد ميشال عون في أول الصفوف من مستقبلي الرئيس الايراني في بيروت جنباً الى جنب مع حسن نصرالله، وبقية الدول العربية تتفرج على النقل المباشر لخطاب الدكتور احمدي نجاد على مدى ساعات مع الترجمة الفورية، تذكرت شعار الزعماء اللبنانيين وخطابات كرامي والصلح واللوزي وجنبلاط ومعهم المرحوم الحريري حول لبنان العربي والذي انقلبت موازين المنطقة على ساحته فلم يعد المشهد لا عربياً ولا غربياً بل فارسياً بامتياز.
سلسلة الهزائم العربية وعصر النكسات العربية لم ينتهِ بهزيمة العراق وتحوله لترسانة إيرانية وهاهي الولايات المتحدة التي حمل لواء محاربة الارهاب فيها الجنرال المتقاعد جورج بوش قد أصبحت في عصر الرئيس الافريقي المسلم! أوباما دولة تدعم النفوذ الإيراني في العراق على حساب الفائز بأغلبية المقاعد أياد علاوي الرجل الليبرالي الذي حارب مع الأمريكان, فجاء الوقت الذي تخلت فيه واشنطن عنه لتكرس ولاية الفقيه المالكي... والذين صفقوا لاعدام صدام حسين الدكتاتور يجترون اليوم لوعتهم على العراق المقسم الضعيف الذي كان جداراً صلباً لصد النفوذ الفارسي في العالم العربي وقد أصبح ذاته - أي العراق - لا يستطيع حتى الدفاع عن جداره العروبي ، فبؤس الزمن العربي.
ماذا يجري في أوطاننا العربية؟ ولماذا تخلى الانسان عن قيمه الوطنية واخلاقه الانسانية؟ وسقط في مستنقع الضياع والفراغ، وبدلاً من السعي لأحلامه في الكرامة والعزة والتنمية والرخاء مثله مثل شعوب العالم التي تسعي للأمن والاستقرار، سلم نفسه للأحزاب والتيارات المتشددة التي حولت حياته الى فردوس وهمي قوامه الحروب الأهلية والانشقاقات والتمزق التي تجري كلها خدمة لمصالح القوى الكبرى من دون وعي بالذات ولا بالوجود، فها هي لبنان تضيع بين مد اقليمي ومحاولات دولية وأمامنا العراق وقد ضاع من بعدما كان جداراً صلباً ومعه ذهبت القضية الفلسطينية في المجهول بعدما استأثر تيار متطرف واستولى على غزة وحرم سكانها حتى من الملاهي الشعبية وارتداء الملابس الطبيعية ، فماذا تبقى سوى صوت الدكتور احمد نجاد شاهداً على الزمن العربي الأغبر!