إياد الدليمي

تسربت أنباء في الآونة الأخيرة عن نية ضباط داخل مؤسسة الجيش العراقي للقيام بانقلاب عسكري للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية الراهنة والتي يبدو أنها قابلة للتواصل في ظل انعدام أية رؤية منهجية يمكن لها أن تقود الأمور للحل.
الأحزاب السياسية في العراق تتصارع، والوضع الداخلي لا يبشر بالخير، الأمن مفقود، الخدمات مفقودة، البطالة تتصدر الأرقام، الجماعات المسلحة تنشط هنا وهناك وهي من تقوم بتحديد وقت المواجهة وطريقتها، القوات الأمنية العراقية ضعيفة، وغير قادرة حتى على حماية نفسها، القوات الأميركية منشغلة جداً بترتيبات الانسحاب بغض النظر عما يمكن أن تَؤول إليه الأحداث، أطماع دولية متصاعدة تستغل كل ثغرة داخل العراق لتستغلها، فهل بعد هذا الانسداد من انسداد آخر؟!
الانقلاب العسكري يمكن أن يكون هو الحل، إذا كان فعلاً سيأتي من أجل تصحيح مسيرة العملية السياسية العرجاء التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية، فهناك العديد من ضباط الجيش العراقي الذين يملكون تاريخاً عسكرياً ووطنياً مشرفاً، يجعلهم أهلاً لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة والخروج بها إلى بر الأمان.
القوات الأميركية -ووفقاً لمصادر عراقية- أبلغت العديد من الساسة في العراق بضرورة تعزيز الإجراءات الأمنية بعد أن تسربت إليها نية قيادات عسكرية عراقية التحرك إلى المنطقة الخضراء وإسقاط حكم الزمرة الحاكمة هناك، غير أن السؤال الأهم: هل يمكن لانقلاب عسكري أن يحدث في عراق محتل؟
الجواب نعم، إذا كانت أميركا تستشعر أهمية الإطاحة بهذه الرموز التي نصبتها منذ 7 أعوام، وإذا كان الانقلابيون الجدد قد عقدوا صفقة متكاملة مع الولايات المتحدة الأميركية، الانقلاب العسكري في بغداد المحتلة ممكن، إذا شعرت أميركا أن الجنرالات يمكن أن يوفروا غطاءً مناسباً في حال استدعت الضرورة لضرب إيران.
الخشية كل الخشية أن يكون الانقلاب العسكري مفصلاً على مقاسات ساسة معينين. في المشهد العراقي أنباء تؤكد أن الانقلاب إذا ما حصل سيكون من أجل ترسيخ حكم نوري المالكي لفترة أخرى وليس من باب الإطاحة به وبمن معه من الساسة، فالجيش العراقي مُسيَّس وأغلب قادته ينتمون إما إلى حزب الدعوة الإسلامي أو إلى ميليشيات تابعة للتيار الصدري أو إلى المجلس الإسلامي الأعلى، دون إغفال وجود عدد من ضباط الجيش العراقي السابق في تشكيلات هذه القوات، وهم الضباط الذين يخشاهم المالكي، وبسبب الخشية منهم تم في الآونة الأخيرة استبعاد العشرات منهم إما فصلاً أو نقلاً إلى مناطق خارج العاصمة بغداد.
الشارع العراقي يترقب ماذا يمكن أن تحمل له الأيام المقبلة، وهو الذي شبع وملّ من وعود الساسة وألاعيبهم، وصار ينتظر صباحاً جديداً يحمل له البيان رقم واحد متأملاً وممنياً النفس بغدٍ أفضل بعد أن عجز الساسة وأحزابهم منذ 7 أشهر عن الاتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة التي كان يأمل منها العراقي أن تعيد له رسم مشروعه الوطني الجديد.
الانقلاب العسكري بكل الأحوال يمكن أن يكون حلاً، ويمكن أن يقود البلاد إلى مرحلة جديدة شرط أن يتولى هذا الانقلاب ضباط غير مُسيَّسين، لا بأس من الاتفاق مع قوات الاحتلال، ولا بأس من عقد الصفقات معهم، ولا بأس من تجميد العملية السياسية والحياة البرلمانية لعام أو عامين، المهم أن يجد العراق نفسه قد بدأ مشروع التعافي، مشروع العودة إلى ذاته.
إن بقاء الأفق متجهماً مسوداً بوجه العراقيين لا يحمل إمكانية الانقلاب العسكري فقط، وإنما يمكن أن يمتد إلى ثورة شعبية تطالب بإسقاط كل هذه الزمر السياسية التي لا هم لها سوى الحصول على مكاسب بعيداً عن مصالح الشعب.
وصلتني قبل أيام رسالة من أحد قادة جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر، وهو يستنكر دعم الصدر لترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة، يقول هذا القيادي إنه ومجموعة من عناصر جيش المهدي يشعرون بالمهانة للرسالة التي وجهها إليهم مقتدى الصدر من إيران ويدعوهم فيها إلى القبول بترشيح المالكي لرئاسة جديدة.
يقول هذا الشخص: لقد خُدعِنا، كنا نعتقد أن مقتدى الصدر لن يقبل بإعادة ترشيح المالكي مجدداً -كما كان يقول احتراماً لأراوح المئات بل الألوف من الصدريين الذين قتلهم المالكي- ولكن اليوم تغيَّر كل شيء، لذلك -يقول- قررنا أن نترك مقتدى الصدر وتياره ونكون مستقلين أنا ومجموعة كبيرة من الصدريين.