عفيف رزق

اذا كان من المبكر الحديث عن الحقائق والوقائع التي انتجتها واكدتها الثورات والانتفاضات الشعبية التي حصلت، وما زالت تحصل، على الساحة العربية منذ كانون الاول الماضي حتى الآن، فإنه ليس من المبكر، ونحن نتابع ما يجري، الحديث عن ظواهر رافقت هذه التحركات، وخصوصا ان كثيرا من الباحثين والمراقبين والمهتمين بقضايا وشؤون المنطقة تعرضوا، تحليلا ودراسة، لهذه الظواهر لأهميتها ولتأثيرها في مجرى الاحداث حاضرا، وفي تكوين وتثبيت الوقائع والحقائق مستقبلا.
اولى هذه الظواهر تمثلت بإبداء مشاعر القلق والخوف والشك التي عبّر عنها بعض الدارسين لدى تناولهم هذه الاحداث، مخافة ان تؤدي هذه الظواهر الى غير ما يرغب ويتمنى المواطن العربي الساعي الى التغيير فتزداد الامور تعقيدا. من الامثلة على ذلك ما اثاره الكاتب عبد الرحمن الراشد بقوله ان بلدان اوروبا الشرقية والوسطى مرت منذ نحو العشرين عاما بالتجربة نفسها التي تمر بها البلدان العربية اليوم، ونجحت تلك الدول في تجربتها وتبنت النظام الديمقراطي. يُعيد الكاتب السبب في ذلك لرعاية ورقابة بلدان اوروبا الغربية لهذه التجربة. ويضيف ان هذه التجربة بقيت quot;فاشلة لأكثر من نصف قرن سواء في الشرق الاوسط او افريقيا (...)، لهذا انا انظر الى المشهد الجديد اليوم في العالم العربي، واتساءل السؤال نفسه في اي طريق تسير الثورات الجديدة...quot;. يلتقي تساؤل الراشد مع تساؤل يطرحه تقرير نشرته مؤخرا مجلة التايمز البريطانية عما اذا كان التاريخ سيفشل في quot;الشرق الاوسط، وهل ستُفنى المعارضات في اليمن وفي بلدان اخرى خلال سنوات قليلة، وهل سننظر الى العام 2011 ونفكر انه لم يتغير سوى القليل؟quot;. ومع ذلك يتابع التقرير، فإن الغضب والتوتر اللذين عمّا منطقة الشرق الاوسط في الاشهر والاسابيع الاخيرة الماضية لن يختفيا لإنهما يشتملان على اكبر قوتي تغيير في العالم اليوم هما الشباب والتكنولوجيا: فالشباب، ما دون الثلاثين عاما، تبلغ نسبتهم نحو الـ 60 في المئة من سكان المنطقة، والاحلام التي يرغبون في تحقيقها لا يستطيع النظام القائم لا تلبيتها ولا تحقيقها، مع انها بسيطة ومتواضعة وتنحصر بالعيش في بلد حر، والحصول على عمل يُؤمن حياة كريمة ومن ضمن مجتمعات متحضرة. اما التكنولوجيا فمن اهم وسائلها التلفزيون والكومبيوتر والهاتف المحمول والرسائل الالكترونية القصيرة، وقد لعبت هذه الوسائل دورا مهما في تعبئة الجماهير وتحريكها واصبحت عامل قوة ونعمة للشعب ونقمة على الحكام. لقد نزل الشباب الى ميادين التحرير والى الساحات العامة متسلحين بالتكنولوجيا فقط، فكسروا حاجز الخوف وتجاوزوا المحرمات وعبروا عن مطالبهم وارائهم بصورة حضارية مسالمة، وعلى رغم ان رد النظام كان في الغالب عنيفا وقاسيا، لكن الشباب بقي هادئا ومصرا على مطالبه...
من هذه الظواهر ايضا هو التساؤل عما ستؤول اليه هذه التحركات. لقد اجمع المهتمون بأن التوجه يجب ان ينحصر بتبني الديمقراطية في النظم السياسية الجديدة. انطلاقا من هذا المعيار شاركت معظم الفئات الشعبية بهذه التحركات فنادت بتداول السلطة وانتخابات نزيهة وشفافة بدل التوريث، وسيادة القانون والمساواة بين جميع المواطنين واعتماد مبادئ الشفافية والمحاسبة والمساءلة...، وعلى رغم ان نسبة كبيرة من هذه المفاهيم قد أُخذ بها في البلدان التي استقرت الاوضاع فيها، فإن هناك من يعتقد ان هذه الثورات قد لا تُؤدي الى قيام ديمقراطية، وهذا ما نبه اليه استاذ العلوم السياسية في جامعة تونس quot;حمادي ريديسيquot; مشيرا الى ان الثورات كي تكون ديمقراطية يجب ان يكون قائدها ديمقراطيا وتأخذ بالمعايير الديمقراطية. وإلا فإن الاوضاع تتجه نحو الفوضى او نحو الحرب الاهلية وحتى الى قيام جمهوريات اسلامية كما حدث في ايران!!... من أهم الظواهر التي رافقت الثورات العربية بروز الدور التركي في التعاطي مع هذه الاحداث بشكل ملفت. لقد كان هذا الدور عاديا في ثورتي تونس ومصر، لكن النبرة التركية ما لبثت ان ارتفعت عندما تأزم الوضع في ليبيا وفي البحرين. ففي ليبيا عارضت انقرة تدخل قوات منظمة حلف شمال الاطلسي (الناتو)، لكنها عادت ووافقت استجابة للضغوط الاميركية...