الدوحة ndash; محمد صبرة
فند العلامة د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مزاعم دعاة وعلماء يوهنون عزائم المتظاهرين والثائرين المطالبين بالحرية ودفع الظلم في عدد من الدول العربية. وأكد أن الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله لا يستحق الطاعة.
واعتبر الاحتجاج السلمي على الفساد والطغيان والظلم حق مشروع للشعوب، ووصف الذين يسمون الاحتجاجات والتظاهرات السلمية laquo;فتنةraquo; بأنهم لا يفهمون القرآن والسنة.
وشدد على أن الإسلام يأمرنا بأن نطالب بحقوقنا ونقاوم ولا نستسلم ونقول للظالم laquo;يا ظالمraquo;.
وانتقد -في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع عمر بن الخطاب- دعاة laquo;الفقه السقيم العقيمraquo; الذي يخطِّئ المحتجين والثائرين على الفساد والطغيان والظلم بحجة أنهم يرتكبون منكراً.
ووصف التفسيرات الفقهية المعارضة للثورات بأنها laquo;تفسيرات خاطئةraquo;، مؤكدا أن الاحتجاج السلمي على الفساد والطغيان والظلم حق مشروع للشعوب.
وتعجب من العلماء الذين هاجموا الثورات في بدايتها لإرضاء الحكام، ثم انقلبوا للنقيض بعد نجاح الثورات وأصبحوا يتبنون الثورات، ويزعمون أنهم من صُناعها ومفجريها.
وعلق على بعض القضايا التي يرددها معارضو الثورات، ويلبسونها لباسا شرعيا بهدف منع المظاهرات والمطالب السلمية.
وصحح بعض المفاهيم المغلوطة حول laquo;حرمة الخروج على ولي الأمرraquo; وraquo;درء المفسدة المقدم على جلب المصلحةraquo;.
وفي معرض تصحيحه للمقولات المغلوطة التي يرددها دعاة وعلماء معارضون للثورات أوضح الشيخ القرضاوي أن laquo;من لا يحكم بما أنزل الله، ولا يُغير المنكرات ولا يسمح للناس بتغييرها لا يكون وليا شرعيا يستحق الطاعةraquo;.
وشرح المقصود بآية: laquo;يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكمraquo;، مبينا أن قوله عز وجل: laquo;وأولي الأمر منكمraquo; تعني أن يكونوا ممن تنطبق عليهم صفات الإيمان التي ذكرها القرآن ومنها: ألا يقولوا ما لا يفعلون، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا لكلام الله والرسول.
وحمل الشيخ القرضاوي بشدة على من يفسرون القرآن والأحاديث النبوية لإرضاء الحكام laquo;طمعا في منصب زائل وكسب دنيوي رخيصraquo;.
وتوقف الشيخ القرضاوي عند مصطلح laquo;ولي الأمر الشرعيraquo; مؤكدا أن الحكام الذين ثارت عليهم شعوبهم وصلوا لكراسي الحكم بالتزوير ولم يتولوا الحكم برضا الناس laquo;لا بانتخابات حرة ولا بيعة عامةraquo;.
وقال إن الحكام الذين يجلسون على مقاعد الحكم دون اختيار شعبي laquo;لا يملكون شرعية حقيقية وليسوا من أولي الأمر الذين تجب طاعتهمraquo;.
فتاوى مضللة
وعاب على العلماء الذين حرموا خروج الناس في مظاهرات سلمية واحتجاجات بريئة، واعتبروا ذلك خروجا على ولي الأمر الشرعي، ووصف قولهم بأنه laquo;تحريف للكلام عن مواضعهraquo;.
وطالب بحسن الفقه والفهم لكلام الله والرسول، والابتعاد عن الاستدلال بالآيات في غير موضعها والأحاديث في غير أماكنها، واعتبر هذا العمل laquo;إضلالاً للناس عن الحقائقraquo;.
وأبدى أسفه لأن فتاوى بعض العلماء كادت تفسد الثورات، وتقتل حلم الشعوب في نيل الحرية والتحرر من الظلم.
وضرب مثلا على ذلك بأن كثيراً من العلماء أظهروا باعهم وفتحوا أذرعهم ليقولوا للشباب كفوا عن المظاهرات وابتعدوا عن المعصية واجتنبوا المنكرraquo;.
وأشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن بعض الدعاة في سوريا قالوا إن الشباب الثائرين يخالفون قول الله تعالى laquo;ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاraquo;.
وتساءل: هل الذي يتبع إنسانا ينصحه عن طريق فيس بوك والجوال يعتبر متبعاً من ليس له علم؟
وأوضح أن الجهل بشخصية صاحب النصيحة لا يمنع من الأخذ بها، مبينا أنه يأخذ بالنصيحة ولا يأخذ علما شرعيا. ووصف ما يحدث بين المطالبين بالمظاهرات والاحتجاجات على فيس بوك بأنه laquo;مجرد اتفاق على الخروج في مكان معين للمطالبة بالحقوق المشروعةraquo;.
واعتبر الثورات العربية laquo;نعمة من الله على الأمة وآية من آيات الله ونفحة من نفحاته عز وجلraquo;.
حقيقة laquo;الفتنةraquo;
رد الشيخ القرضاوي في الخطبة على من يقولون إن المظاهرات والاحتجاجات السلمية تثير الفتنة، والمسلمون يتعوذون بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وقال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المظالم والمطالبة بالحقوق والمقاومة للباطل لا يعتبر فتنة بأي حال من الأحوال.
وأضاف: laquo;إذا كانوا يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتنة فهي نعم الفتنةraquo;.
وذكر أن laquo;الفتنة laquo;لها معان كثيرة في اللغة والشرع حيث تستعمل في وصف الابتلاء والاختبار والمحن في الدين وفي المال وفي الأولاد.
وبيّن أن من تلك المعاني ما جاء في القرآن الكريم بأن laquo;الفتنة أشد من القتلraquo; وraquo;الفتنة أكبر من القتلraquo;.
وأوضح أن الفتنة تكون أشد من القتل عندما تكون تعذيباً وإيذاءً واضطهاداً للإنسان بإرغامه على ترك دينه الذي اختاره بإرادته واقتناعه. وضرب مثلا على ذلك بما حدث للصحابة الأوائل بلال بن رباح وآل عمار بن ياسر وغيرهم.
وقال إن القتل يمثل اعتداءً على الجانب المادي الجسدي في الإنسان، بينما الفتنة في الدين تمثل قتلا للعقل والإرادة والاختيار.
الفهم الصحيح للدين
وشدد الشيخ القرضاوي على أن الإسلام يدعو المسلمين لحسن فهم دينهم فهما علميا صحيحا، ليكونوا على بينة وهدى انطلاقا من قوله تعالى laquo;أفمن كان على بينة من ربه كمن زُيِّن له سوءُ عمله واتبعوا أهواءهمraquo;.
واعتبر التفقه في الدين laquo;نفيراً وجهاداًraquo; مطالبا بتكامل أدوار الأمة ووظائفها بحيث لا تترك ناحية ضائعة، ومبينا أن الأمة الإسلامية يتكامل فيها العلم والجهاد والإيمان والجهاد والعلم والعبادات والأخلاق.
وأوضح أن التفقه في الدين يمنع laquo; التلبيس والتخليط في فهم الحقائق ويبعد عن الأباطيلraquo;.
وقال إن الشباب الثائر لم يطالب بأكثر من حقه، وكل إنسان حر ينبغي أن يطالب بحقوقه، وما ضاع حق وراءه مطالب. وما ضاعت حقوق الناس إلا لأنها لم تجد من يطالب بها.
الإسلام يأمرنا بأن نطالب بحقوقنا ولا نستسلم للظلمة ولا بد أن نقاومهم ونقول للظالم laquo;يا ظالمraquo;.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: laquo;إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودِعَ منهاraquo; أي لا خير فيها.
ولفت إلى أن المشاركين في المظاهرات السلمية يطالبون بلقمة العيش والعمل الشريف وإزالة الظلم فكيف تكون مطالبهم فتنة.
وأكد الشيخ القرضاوي أن الدعاة والعلماء المعارضين للمظاهرات السلمية laquo;أسارى أفهام خاطئةraquo;.
واعتبرهم ممن laquo;أفسدوا الدين بسوء الفهمraquo;، واتهمهم بالسعي ndash;أحيانا- لإرضاء الحاكم عن طريق تطويع نصوص الدين لصالح الحاكم.
لأنهم laquo;يَفْهَمونَ الدين ويُفْهِمُونَه لإرضاء الحاكمraquo; من أجل دنيا سماها القرآن laquo;ثمنا قليلاraquo; قد يكون منصبا أو مالا. لا يساوي laquo;جناح بعوضةraquo;.
وأكد الشيخ القرضاوي أن الذين يسمون الاحتجاجات والتظاهرات السلمية laquo;فتنةraquo; لا يفهمون القرآن والسنة ولا معنى الفتنة.
وقال إن laquo;الفتنةraquo; تطلق على ما يختلف فيه ولا تعرف حقيقته. كأن يختلف شخصان في أمر يظن بعضهم أنه على حق فيمشي معه، ويعتقد الآخر أنه خطأ فيبتعد عنه.
وأوضح أن حال الشعوب العربية الثائرة ليست من الفتنة في شيء، لأن هناك مظالم شكا الناس منها، ومرت عليها عشرات السنين، حيث بقي أحد الحكام الظالمين على كرسي الحكم أكثر من 43 عاما وبقي آخر أكثر من 33 عاما والناس تنتظر زوال الظلم فلم يزل، فكان لا بد من الثورة. وأقر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن المظالم التي تعاني منها الشعوب الثائرة يجب أن تُرفع والحقوق يجب أن تؤدى إلى أهلها. مستشهدا بقول الله عز وجل: laquo;إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدلraquo;.
وذكر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن من أبرز المظالم التي قامت ضدها الثورات أن هناك من يلعبون بالملايين وهناك من لا يجدون الملاليم دلالة على التفاوت بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، مستشهدا على ذلك بمن يعيشون في قصور ومن يسكنون في قبور.
المفسدة والمصلحة
وقال د. القرضاوي إن ما حدث فيه اشتباه عدم فهم قاعدة laquo;درء المفسدة مقدم على جلب المصلحةraquo; حيث تساءل الناس لماذا نرتكب المفسدة من أجل المصلحة.
واعترف فضيلته بأن هذه قاعدة أصولية معترف بها عند العلماء، لكنها تحتاج لمن يحسن فهمها ووضعها في موضعها الصحيح.
وتساءل: هل نترك الفساد والشر والظلم والطغيان ينتشر خوفا من حدوث ضرر؟
وفي معرض الإجابة على السؤال قال: إن عدم مقاومة الفساد معناه أننا لن نزيل ضرراً أبدا.
وشدد على أن مجرد الخوف من الضرر لا يبرر السكوت على الباطل.
وأشار إلى أن نتائج ثورتي مصر وتونس وبوادر ثورات ليبيا واليمن وسوريا والأردن تؤكد على حدوث خير كثير لشعوب تلك الدول.
وبَشر الشيخ القرضاوي بأن كل الثورات وراءها خير كثير لأن وراءها نيات صالحة وعزائم صادقة ورجالاً أطهاراً لن يضيع عملهم هباء.
وذكر الشيخ القرضاوي أنه إذا كانت المفسدة بسيطة والمصلحة كبيرة جدا فلا يصح أن نتوقف عن المطالبة بالإصلاح والحرية وإزالة الظلم وتحقيق العدل.
وأشار إلى أن كل مكسب له ثمن، ومجرد قتل بضعة أشخاص من أجل إزالة الظلم والاضطهاد عن شعب يعتبر مكسبا لا خسارة.
وقال: laquo;لا بد لمن يريد أن يحقق هدفا كبيرا أن يبذل شيئا عظيما، ومن عرف مقدار ما يطلب هان عليه ما يبذلraquo;.
ولفت إلى أن من سنن الحياة وقوع الألم والخسارة والتضحية والانكسار من أجل تحقيق الانتصار.
وضرب مثلا على ذلك بما حدث من تضحيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث استشهد مئات الصحابة من أجل نصرة الحق على الباطل.
وقال إن الله عز وجل يريد أن يتخذ منا شهداء ويختبر الذين آمنوا.
ودعا الشيخ القرضاوي لتصحيح المفاهيم التي يدعو إليها laquo;العلماء أصحاب العمائم التي تغري الناسraquo;.
وجدد الشيخ القرضاوي البشارة بانتصار ثورتي ليبيا واليمن مؤكداً أن laquo;وعد الله بنصر المؤمنين لا يكذبraquo;.
وعقب صلاة الجمعة أدى الشيخ القرضاوي وجموع المصلين بجامع عمر بن الخطاب صلاة الغائب على شهداء laquo;دوماraquo; في سوريا وكل الشهداء في اليمن وليبيا.
التعليقات