هدى الحسيني
تحمل القلاقل في الشرق الأوسط تغييرات استراتيجية كثيرة، وستكون منطقة الخليج، على امتدادها، مركز الثقل وساحة التجاذبات. اللافت تداخل هذه الأزمات بعضها ببعض، إذ بعد أربعة أسابيع من المظاهرات في سورية، دب القلق في عقول الكثير من القادة الإيرانيين خوفا من تداعيات ما يسمى laquo;عامل الدومينوraquo;. لذلك، دخلت القيادة الإيرانية في نفق الصراع مع الزمن ومحاولة استباق الأحداث للالتفاف عليها، إذا ما استطاعت.
يوم الاثنين الماضي، صدر تصريحان إيرانيان يكشفان عن الكثير من الارتباك المخفي ويؤكدان صدمة الخطأ في الحسابات، إذ قال رئيس تكتل الثورة الإسلامية في البرلمان الإيراني روح الله حسينيان: laquo;إن الحكومة الإيرانية يجب ألا تتردد في الاستعداد عسكريا بينما السعودية تنشر جيشها في البحرين، وكان على وزارة الخارجية الإيرانية أن تبذل جهودا أفضل وترفع دعاوى دولية ضد السعودية، وأن تطلب مساعدة منظمة الدول الإسلامية (...)raquo;.
أما قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري، فأعلن أن وحدات ومهمات الحرس ستخضع قريبا لإصلاحات هيكلية، وأن التغييرات ستقوم على تحليل كل التطورات. وحث الحرس على أن يكونوا أكثر دقة في تحليلاتهم للأوضاع.
عندما أقدم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على قمع المظاهرات التي خرجت بقوة تنديدا بفوزه، كانت التوقعات بأن إيران ستعمل على إثارة القلاقل في دول أخرى، كوسيلة للهرب من نقمة الشعب.
هذا المخطط حصل بالفعل، وسوف يستمر بطريقة أعنف للتغطية على ما يجري حاليا في إيران. عدد كبير من كبار القادة المحافظين هربوا، في الأيام الأخيرة، مئات الملايين من الدولارات خارج إيران لتخوفهم من انهيار النظام، ولشعورهم بأن موجة المظاهرات التي تعم دولا عربية قد تدفع بالجماهير الإيرانية إلى الشوارع. هذا السيناريو من الأحداث يمكن أن يؤدي إلى حالات شغب داخلية تكون أعنف من الحالات الماضية، ويمكن أن يفقد الأمنيون السيطرة عليها وتؤدي إلى قلب النظام.
تضاعف قلق القيادة الإيرانية بسبب الإحباط الذي يشعر به الشعب الإيراني في وجه القمع الذي لحق به إثر رد فعله على انتخاب أحمدي نجاد، في حين أن الجماهير في تونس ومصر نجحت في قلب نظامين تربعا فوق السلطة المطلقة عشرات السنين، تماما كما حال النظام الإيراني.
هذا القلق العميق دفع شخصيات كبيرة من الطرف المتشدد، وخصوصا القريبة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وقادة من laquo;الحرس الثوريraquo; إلى تهريب مبالغ من حساباتهم المالية في أكبر مصارف إيران (ميللي، وميلات، وسيباه وصادرات) إلى تركيا وبعض الدول الإسلامية في آسيا الوسطى (باكستان وتركمانستان) وجنوب آسيا (إندونيسيا وماليزيا).
وبحسب مصادر مالية، على علاقات وثيقة بالمحافظين الإيرانيين، فقد وصل إلى ثلاثة مصارف تركية مبلغ بقيمة 180 مليون دولار من حسابات مسؤولين محافظين كبار من laquo;بنك سيباهraquo;. وأضافت هذه المصادر أنه تم تحويل مبلغ 220 مليون دولار إلى مصرفين في ماليزيا وإندونيسيا من حسابات مسؤولين إيرانيين في laquo;مصرف ميلليraquo; وlaquo;بنك صادراتraquo;.
الأموال التي تم تهريبها من إيران، هي من الثروات الخاصة لمسؤولين في الطرف المحافظ بمن فيها شخصيات كبرى في مؤسسات النظام الاقتصادية كالمصرف المركزي، وبعض كبار العاملين في المؤسسات الإنسانية التابعة مباشرة لمكتب خامنئي مثل: laquo;مؤسسة المضطهدين وضحايا الحربraquo;، laquo;مؤسسة الشهداءraquo;، laquo;مؤسسة الإمام الخميني للإغاثةraquo;، وlaquo;مؤسسة 15 خوردادraquo;. وتؤكد المصادر المالية المطلعة، أن رؤساء عدد (وليس كل) هذه المؤسسات هربوا أموالهم من إيران في الأيام الماضية، وأن رؤساء واحدة من هذه المنظمات يشاركون بعمق في مسألة التهريب.
ويبدو أن شخصيات محافظة أخرى طلبت من المصرف المركزي توضيح إجراءات تحويل أموالهم إلى دول غير إسلامية في جنوب شرقي آسيا كالصين (بما فيها هونغ كونغ) التي لديها نشاطات مالية قوية مع إيران وارتباطات وثيقة مع المصارف الإيرانية.
منذ بدء الأزمات في تونس ومصر، حاولت القيادة الإيرانية استغلال الأوضاع لصالحها، وما كان يمكن أن يعتبر حركة مطالب وطنية في البحرين، خربه التدخل الإيراني عبر الباب المذهبي.
ترغب إيران في استعمال كل نفوذها وشبكاتها للتشجيع على القلاقل في البحرين، وأيضا في الكويت، كجزء من حملتها لزعزعة الوضع في المنطقة.
عندما خرجت المظاهرات في البحرين، ومع الدعوة إلى طاولة حوار، اعتمدت إيران على الشق المذهبي في محاولة للتسبب في قلاقل متتالية قد تنتشر لاحقا إلى مناطق اخرى في المنطقة، فكان الرد الخليجي هو إرسال قوات عسكرية إلى البحرين.
لا تتردد إيران في البحث عن ثغرات يمكن أن تحركها كي تبقى السعودية في حالة من عدم التوازن، إنما ليس إلى المدى الذي تقنع فيه أميركا بضرورة الإبقاء على قواتها في العراق.
هدف الإيرانيين استغلال الأزمات بإثارة ما يكفي من القلاقل في منطقة الخليج، لإجبار الأميركيين والسعوديين على الموافقة على تسوية حسب الشروط الإيرانية، أو لتصديع العلاقات الأميركية - السعودية، وبالتالي حمل واشنطن على التفاوض معهم لإنهاء الاضطرابات قبيل الانسحاب من العراق.
هذا لن يحدث، لأن إيران، بسبب تدخلها في البحرين والكويت، عمقت الحذر منها في كل دول مجلس التعاون الخليجي، من هنا ستواجه وقتا صعبا لإثارة القلاقل في المنطقة، لأن أغلب دول الخليج صارت تعرف أن الخطر الإيراني يستهدف كل دول مجلس التعاون.
لهذا السبب، ولأسباب إيرانية داخلية، قد تلجأ القيادة الإيرانية إلى ساحات أخرى لاستغلال الثورات العربية، وفي كل ساحة ستواجه مشاكل، حتى في العراق؛ فهي إن حاولت التحريض على المشاكل المذهبية فإنها تخاطر بتأخير الانسحاب الأميركي وتنسف أمن الجناح الغربي لها على المدى الطويل.
قد تجد إيران في ما يجري في اليمن فرصة جيدة للتدخل. فمع تآكل نظام علي عبد الله صالح، ومع التعقيدات المحيطة في المفاوضات حول انتقال السلطة، فإن قبضة صالح ستتقلص لتغطي العاصمة صنعاء فقط، مما يسمح لثورات المناطق الأخرى بالاشتعال أكثر؛ الحوثيون في الشمال يوسعون حكمهم في المناطق المحاذية للسعودية، وهذا يستدعي القيادة السعودية لاتخاذ قرار حاسم يتعلق بأمنها القومي. والثورة القائمة في جنوب اليمن، وكذلك انبعاث الحرس الإسلامي القديم في الجهاز الأمني المعارض لصالح، سيوفران الفرصة أمام laquo;قاعدةraquo; الجزيرة العربية لتوسع دوائر عملياتها. ثم إن الإزاحة الحتمية لصالح، وهي الهدف الذي يوحد كل أطراف المعارضة اليمنية، ستفاقم الأوضاع، لأن كل طرف بعد ذلك سيعود إلى المطالبة بأولوياته. ولأن السعودية بحكم موقعها ووزنها ستعمل مع الاطراف الاخرى على حل الأزمة في اليمن، فإن المخطط الإيراني التالي، بعد البحرين والكويت، قد يتركز على اليمن.
هناك ارتباك إيراني واضح، النظام يسارع الزمن. كبار المسؤولين الإيرانيين يهربون أموالهم إلى الخارج. حليفا إيران، في لبنان حزب الله وفي غزة حماس، خسرا الكثير، وبالذات حزب الله عندما أعطى موقفا تجاه البحرين مؤيدا لإيران، إذ دفع اللبنانيون الثمن، أما laquo;حماسraquo; فإنها تبحث عن وقف لإطلاق النار. ثم إن أي تدخل عسكري إسرائيلي في غزة، سيضاعف الضغوط على النظام العسكري الجديد في مصر الذي فتح الباب أمام تقارب محتمل مع إيران. أما النظام السوري، فإنه مشغول بما يخطط له.
إذا كانت الأشهر الماضية حملت مفاجآت عربية، فإن الأشهر القليلة المقبلة قد تحمل مفاجآت في المنطقة، غير عربية.
التعليقات