سمير عطا الله

كنت قد كتبت مقالة أمس عن الرئيس حسني مبارك، وخرجت لأشتري جرائدي. وعندما توقفت في محطة الوقود تجمهر حولي العمال المصريون كما يفعلون دائما في الأزمات. وغالبا يسألونني عن رأيي في ما يحصل. لكنهم أمس أبلغوني رأيهم، وهو أنهم فرحون بإحالة الرجل إلى التحقيق. واشتريت صحف الصباح فوجدت laquo;اليساريةraquo; منها فرحة أيضا laquo;بحبس الرئيس المخلوعraquo;. ولم تخف laquo;الوسطيةraquo; أيضا عدم حزنها لما يحدث. وفي المساء أصغيت إلى الأخبار على إحدى القنوات laquo;المستقلةraquo; فلاحظت أنها تستخدم هي أيضا عبارات العهد السابق.

وفي النهاية قرأت laquo;الأهرامraquo; التي لا أكتفي بنسختها الإلكترونية. ومنذ تغيير إدارتها وأنا أتابعها كمهني لكي أرى ماذا سوف يتغير فيها، بالإضافة إلى دافع دائم، هو قراءة عمود أنيس منصور، زيادة في المتعة والفائدة، هنا وهناك. ولاحظت أن laquo;الأهرامraquo; تضبط إيقاعا شديد الموضوعية، ليس فقط في الحديث عن laquo;الرئيس السابقraquo; بدل laquo;الرئيس المخلوعraquo;، بل حتى في الحديث عن رموز الإساءة إلى عهده.

عندما قرأت الصحف اللبنانية شعرت بشيء من الحرج: هل كنت على خطأ عندما دعوت إلى عدم محاكمة مبارك في المرة الأولى، ثم كررت الخطأ عندما دافعت عن الموقف الأول؟ هل أمارس اختلافا لا مبرر له، مع أصدقائي في محطة البنزين، وأشرف ناطور العمارة، وأصدقائي وزملائي في مصر، الذين قلبوا الصفحة وبدأوا حياة جديدة، لأنه ليس في الدنيا قانون يقضي بأن يلحق الناس برئيسهم بعد خروجه من الرئاسة، لأي سبب من الأسباب؟

أليس من الأفضل لنا أن ننضم إلى أهل القافلة ونسارع إلى القطار الجديد؟.. فماذا سوف تغير كلمة أو زاوية في مسيرة الشعوب ومسار التاريخ؟.. لا شيء. لكن هل من الضرورة أن يركب المرء كل قطار، وأن يجري خلف كل محطة؟ ومتى يخالف المرء ضميره، أو مسلكه؟.. حين يشعر بالندم لأنه تسرع، أم حين يندم لأنه تخلف؟.. دائما كنت أفضل النوع الأخير من الندم.

وعلى أي حال، فقد حان لنا أن نتابع أخبار المستقبل في مصر، وأن نترقب الوجوه التي سوف تصنع هذا المستقبل. والمستقبل عملية لا نهاية لها. ولا يعني ذلك ترك الماضي من دون محاسبة، والشوائب من دون تنظيف، والاهتراء من دون اجتثاث. كما لا يعني منع الصحافة المكبوتة كل هذا الوقت من التعبير عما لم تستطع قوله من قبل. ولكن يُخشى من الانزلاق إلى فيضان من الحبر كما حدث بعد نهاية عبد الحكيم عامر، وإلى إعصار من النقد بعد وفاة عبد الناصر، وإلى زلزال الرشق الذي حدث بعد مقتل السادات. صحيح أنه لم يعد جائزا استخدام تعبير laquo;إلى الأمامraquo; بعدما استخدمه الأخ القائد في الدعوة إلى فتح أبواب المجازر، لكن إلى الأمام يا مصر.. إلى الخلاص من وقاحة الفساد ومدن المقابر وذل العشوائيات. وإلى الوراء قليلا.. إلى عصر النهضة والفكر وأضواء الأدب.