المستشار المرشح لرئاسة مصر يرفض الدولة الدينية
القاهرة: محمد منير
رحب المستشار هشام البسطويسي، المرشح لرئاسة مصر، بقرار حل الحزب الوطني، واصفاً إياه بالمفسد للحياة السياسية، كما هاجم الدعاة إلى الدولة الدينية، وقال إن دعوتهم هذه ترسخ لقيام دولة ldquo;إسرائيلrdquo; .
البسطويسي صاحب الجولات والصولات في الدفاع عن استقلال القضاء والقريب إلى قلب ووجدان الكثيرين من الشباب المصري، كشف عن رؤية جديدة لمصر المستقبل في الحوار التالي مع ldquo;الخليجrdquo;:
كيف ترى العلاقة بين الدفاع عن استقلال القضاء واستقرار الحياة السياسة في مصر من خلال رحلتك الطويلة في عالم القضاء؟
أهم عوامل استقرار وإحساس المواطن بالعدالة هو استقلال القضاء، لأن استقلال القضاء يعني استقرار الحكم وتحقيق المساواة بين الجميع، وهو عنصر مهم في انتظام الحياة الاقتصادية في أي دولة، واستقلال القضاء كان دائماً مطلباً جماهيرياً، والقضاة المصريون كان لهم دور كبير في الجهاد للحفاظ على استقلال القضاء واستقلالهم، لكن بعد ثورة يوليو بدأ التضييق على القضاء والقضاة من السلطة التنفيذية، وظل القضاة يقاومون حتى حدثت مذبحة القضاة عام 1969 وبعدها استمر نضال القضاة وكفاحهم حتى عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك، وخلاله أخذ التدخل في القضاء شكلاً أكثر فجاجة، فبدأ مجموعة من القضاة في الدفاع عن استقلالهم حتى كان عام 2005 عندما وصلت حركة احتجاج القضاة إلى ذروتها للدفاع عن استقلالهم وتضامن معنا كل عناصر الشعب .
وكان قدري أني تعرضت لأكثر من موقف في هذه المسيرة، ففي عام 1982 في أول انتخابات تكميلية لانتخابات الشورى في عهد مبارك، وكانت في مينا البصل بمحافظة الإسكندرية، اكتشفت أنا وزميلي محمد إبراهيم بيومي تزوير الانتخابات لصالح مرشح الحكومة، فأخذنا قراراً بإلغاء الانتخابات وتعرضنا لضغوط عديدة للعدول عن قرارنا، وهذا كان أول صدام ومن يومها لم يتم انتدابي للإشراف على انتخابات حتى الآن .
بعد انتهاء فترة إعارتي للإمارات عدت إلى مصر للمشاركة في مسيرة الدفاع عن استقلال القضاء ووضعنا قانوناً ورفضه حسني مبارك فخرجنا نشكو للشارع وللشعب المصري ونكشف له الحقيقة، وأن السلطة القضائية غير مستقلة استقلالاً كاملاً، وكانت وقتها انتخابات مجلس الشعب 2005 فأعلنا للشعب أن الانتخابات مزورة ونتائجها مزورة سواء كانت البرلمانية أو الرئاسية أو الاستفتاء، وتفاعل الشعب معنا وتطور الأمر إلى تقديمي مع زميلي محمود مكي للتحقيق وبدأ الأمر بتحويلي لنيابة أمن الدولة العليا، وتم سحبها من أمن الدولة وتحويلها لقاضي تحقيق ثم سحبوها من قاضي التحقيق وأحالوها لمجلس تأديب وكان للأسف برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى وكان غير صالح للحكم لأنه كان الخصم الحقيقي، وأصدر قراراً ببراءة زميلي محمود مكي وتوجيه اللوم لي، وكان يستهدف فصلنا ولكنه لم يستطع تحت ضغط حركة الجماهير التي تعرضت للاعتقال والضرب والإرهاب واستمرت المسيرة لاستقلال القضاء حتى ثورة 25 يناير وخلال هذه الفترات لم أكن عضواً في حزب سياسي وكان لا يصح أن أكون عضواً في حزب ولكني كنت أدافع عن حق المواطن في الحفاظ على القضاء أن يكون مستقلاً، وكنت أرى أن استقلال القضاء هو ضمان لاستقرار نظام الحكم، ولو كان النظام السابق يملك وعياً بمصالحه لفطن أن استقلال القضاء هو الضمان لاستقراره، بالإضافة إلا أنني حذرت في عام 2005 من أن عدم توافر الاستقلالية للقضاء سيعطي مبرراً لمحاسبة مسؤولين أمام محاكم دولية .
هل هذا يعني أن كل خبرتك مستمدة من مجال عملك وقضية الدفاع عن استقلال القضاء ولم تكن لك رؤية سياسية وخبرات في الجوانب الأخرى التي يجب أن تتوافر فيمن يسعى لرئاسة الجمهورية؟
لي رؤية سياسية وكتبت آرائي في صحف كثيرة وأبديت اعتراضاً على انفراد الحاكم بالحكم والفساد وحذرت حسني مبارك من عناده للشعب ورفضه للإصلاح وأن هذا سيؤدي إلى الثورة وقلت له أكثر من مرة أمامك فرصة لإجراء إصلاحات تدخل بها التاريخ قبل أن تندلع الثورة، لكن لم يستجب لأي نصائح وأعتقد لم يكن يقرأ الصحف كما قال بنفسه .
كيف تقيم وضع مصر في الثلاثين عاماً الماضية؟
مصر وصلت خلال الثلاثة عقود الماضية إلى الصفر في كل شيء، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وفي كل المناحي، وكان ldquo;صفر المونديالrdquo; تعبيراً عن كل الأصفار الموجودة في الدولة، لأنه لم تكن الخبرة هي المعيار الرئيسي في اختيار المسؤولين في الدولة وإنما الثقة والتورط في شبكة الفساد ووصل الأمر إلى استبعاد أصحاب الخبرات من الوزارات والهيئات المختلفة .
كيف تتم زيادة الاستثمار في مصر خاصة أن البعض يحذر من أزمة اقتصادية وشيكة؟
حجم الاستثمار لم يكن بالحجم الكبير الذي يناسب وضع مصر، لأن الاستثمار يحتاج لمناخ صحي لضمان عدم المصادرة أو التأميم أو الفساد فكانت الاستثمارات عندما تأتي لمصر تضطر للتعامل مع الفساد، وكان هذا الفساد تتم تحميل تكلفته على المستثمر الذي بدوره يحملها على المنتج الأخير الذي يتحمله في النهاية المواطن، لكن عندما يختفي الفساد وتلتزم قواعد الاقتصاد بالشفافية وتصبح هناك ديمقراطية حقيقية سنجد أن الاستثمارات تتدفق إلى مصر بشكل أكبر نتيجة الإحساس بالأمان، مع اعتبار أن رجال الأعمال الفاسدين ليسوا هم الغالبية، ولكنهم محتاجون لتحسين المناخ والقضاء على الفساد كما لابد أن نرفع مستوى دخل المواطن لزيادة القوة الشرائية، وفتح أسواق خارجية وفتح أسواق في إفريقيا لزيادة الناتج القومي، نحن أيضاً نحتاج لإعادة تأهيل للعمالة المصرية ورفع كفاءة العامل المصري وبالتالي تزويد إنتاجيته وإضافة قوى إنتاجية جديدة مثل المعاقين وهذا يرتبط بالبرنامج الاجتماعي، وهؤلاء عددهم كبير وبتأهيلهم سنضيف قوى إنتاجية جديدة وسنحول هذه الفئة من كونها عالة على المجتمع إلى قوى منتجة، كذلك الفلاح المصري الذي يعاني بعد أن أصبح العائد من المحصول أقل من تكلفته، فنحن نحتاج لإعادة صياغة هذه المعادلة سواء بدعم الأسمدة أو تقديم وسائل حديثة الزراعة وإعفاء الفلاح من الديون التي تراكمت عليه بدون ذنب وإعادة النظر في أسباب البناء على الأراضي الزراعية فالفلاح عندما يبني على الأرض الزراعية لا تكون نيته تجاه الاستثمار، ولكن يكون مدفوعاً بحاجته لإيجاد سكن له ولأسرته والذي يجب على الدولة أن توفره له مع الحفاظ على الأراضي الزراعية .
من الذي سيتحمل المسؤولية الرئيسية في الاستثمار خلال المرحلة المقبلة القطاع الخاص أم الدولة؟
الأصل سيكون في الاستثمار الخاص، لكن الدولة سيكون لها دور في مكافحة الاحتكار وإعادة التوازن للسوق ولابد أن تسيطر على المشاريع الكبرى مثل الصناعات الثقيلة وصناعة الأسلحة ومهمات القوات المسلحة .
هل ترى أن الجيش شريك في الثورة أم صاحب دور إداري بحكم الضرورة؟
الجيش المصري قام بعمل سيسجله التاريخ وهو جيش له تراث قديم جداً وله دور في حماية الشعب فهو في الأصل من الشعب وبالتالي له دور في حماية مكتسبات الشعب، وهذا الدور قديم من أيام عرابي وبعدها ثورة 52 وحتى 25 يناير، والجيش له دائماً له دور في التنمية في حالة تقاعس السلطة التنفيذية والجيش في 25 يناير رفض الانصياع للدولة لإجهاض الثورة وحمى أبناءها .
كيف ترى الحكم القضائي بحل الحزب الوطني؟
الحزب الوطني أفسد الحياة السياسية وأضعف الأحزاب الأخرى وكان وراء عدم قدرتها على القيام بدورها، الحكم الصادر بحل الحزب كان صائباً والالتزام به واجب . والآن هناك فرصة لجميع الأحزاب لكي تعود إلى الشارع السياسي كما أن هناك فرصة لبقية فئات الشعب التي لم يكن لها أحزاب تعبر عنها لتكوين أحزابها .
كيف ترى التجربة الحزبية في مصر خلال الحكم السابق؟
التجربة الحزبية منذ عام 1976 أحدثت حراكاً في الشارع المصري فلا يجب أن ننسى دور الوفد ودور حزب التجمع في أحداث يناير 1977 وكان له وجود قوي جداً في الشارع، وأيضاً حزب العمل كان له دور قوي في عهد المهندس إبراهيم شكري، وضم البرلمان المصري في فترات سابقة رموزاً وطنية وقامات عظيمة مثل محمود القاضي في الإسكندرية وهو كان تعبيراً عن الحزب الوطني الحقيقي برئاسة مصطفى كامل وليس الحزب الوطني الذي صدر الحكم بحله .
ما رؤيتك لشكل الدولة مدنية أم دينية؟
الإسلام لا يعرف الدولة الدينية والرسول عليه الصلاة والسلام أقام الدولة المدنية في المدينة، وصحيفة المدينة التي كانت الدستور الأول في الإسلام كانت وثيقة لدولة مدنية تساوي بين المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات، والمناداة بدولة دينية تسقط حجتنا في مواجهة دولة ldquo;إسرائيلrdquo; التي تريد إنشاء دولة دينية يهودية ويجب أن نطلب من العالم كله مكافحة الدول الدينية ولا يجب أن تكون هناك دولة دينية لا إسلامية ولا مسيحية ولا يهودية، لكن من الممكن أن تكون للدولة المدنية مرجعية دينية من الدين الذي ينتمي له الأغلبية .
تثير المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر للتشريع الكثير من الخلافات وخاصة لدى المسيحيين، فما رأيكم؟
هذه المادة لا تمثل أي مشكلة لدى المسيحيين ولا تنتقص من حق المواطنة لديهم لكن النظام السابق افتعل هذه المشكلة للوقيعة بين المسيحيين والمسلمين وعندما عرف المصريون المعاني الحقيقية لهذه المادة انتهت المشكلة لدى المسيحيين والمسلمين .
هل كان الحكم الرئاسي السابق حكماً مؤسسياً؟
مصر لم يكن فيها نظام حكم لا رئاسي ولا برلماني، كان لدينا نظام حكم دكتاتوري، نظام حكم الفرد الذي كان يملك كل الصلاحيات، نظام أقرب للنظام القبلي أو العائلي يحكم فيه شيخ قبيلة، وكل الثورات العربية الآن رفضت هذا وتطالب بنظام حكم ديمقراطي مؤسسي الحكم فيه لا يفرق بين أفراده ويتعامل معهم بصفتهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات .
موقفك من المعاهدات التي وقعت عليها مصر وخاصة معاهدة السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;؟
مصر دولة لا يمكن أن تتنصل من تعهداتها الدولية، ولكن إذا كان هناك بند أو نص أو اتفاقية لا ترضي الشعب المصري ويرى الشعب المصري وجوب مراجعتها فلابد من استخدام كل أدوات القانون الدولي في إعادة التفاوض حول هذه البنود لإصلاح الخلل الموجود في هذه الاتفاقيات، أما بالنسبة للدول على حدود المنطقة العربية مثل إيران والهند والصين والدول الإفريقية والدول الأوروبية شمال البحر المتوسط، هذه كلها دول ينبغي أن تتحدد علاقتنا بها على أساس مفهوم جديد للأمن العربي تتوحد من خلاله المصالح العربية والحقوق العربية بحيث لو تفاوضت دولة مع دولة عربية تسمع وترى موقفاً واحداً، أي أنه مطلوب استراتيجية واحدة ومفهوم واحد ولا يجوز أن تكون مثلاً مصر وسوريا لهما علاقات قوية بإيران ونتجاهل مشكلة إيران مع الخليج، ويجب أن تكون هناك فلسفة واحدة وخطة واحدة تتعامل بها كل الدول العربية مع العالم حتى نظهر كقوة واحدة في العالم ونتفاوض من مركز قوي ونحصل على أفضل ما يمكن لتحقيق مصالحنا .
ما الحل الأمثل لمشكلتنا مع دول حوض النيل حول حصتنا من مياه النيل؟
هذه مشكلة تحتاج حلاً سياسياً سببها هو النظام السابق والرئيس وكل وزراء خارجيته بلا استثناء لأننا كنا نتعامل مع الدول الإفريقية بإهمال وتعالٍ وركزنا على الغرب وفرطنا في الدور العظيم الذي كانت مصر تقوم به إفريقياً، ولابد لنا من سياسة جديدة مع إفريقيا تعتمد على التكامل والتعاون لصالح الدول في إفريقيا، ومصر لديها الكثير لتقديمه للدول الإفريقية وهذا ما ظهر عندما شاركت في المؤتمر الشعبي في أوغندا واكتشفت أن كثيراً من الدول الإفريقية تريد فتح صفحة جديدة مع مصر .
التعليقات