عبد الرحمن الراشد

سنظل نتحاور.. لماذا انهار حكم مبارك في مصر؟ وفي تونس كيف أن حادثة صغيرة أسقطت واحدا من أكثر الأنظمة الأمنية سطوة؟ وكيف شارفت الدولة القذافية على الانهيار بعد أكثر من أربعة عقود من الصلابة؟ وها هو نظام الأسد الذي كان يهز عروش المنطقة ويخيف كل الأنظمة مهدد بالانهيار هو الآخر، بسبب بضعة أطفال شخبطوا على جدار في بلدة درعا نشرت مأساتهم الغضب، واليوم تسمع أصداء الثورة في أكثر من سبع مدن تردد علانية الهتافات الداعية لإسقاط النظام.

السؤال: لماذا سقطت واهتزت أقوى الأنظمة وأكثرها شراسة؟

الحوادث التي قادت إلى ذلك معروفة، إنما الأسباب هي محل النقاش، وأعتقد أن الجميع سيتفقون على أن الانهيار جاء جراء عوامل متضافرة، نفسها التي قال بها علماء الاجتماع، وأبرزهم ابن خلدون في مقدمته حول سقوط الدول. وهنا نرى كيف أن الصراعات داخل الحكم كانت قاسما مشتركا. التوريث والصراع بين أجنحة الحكم في مصر ألهى مبارك لأكثر من خمس سنوات عاش فيها المتنافسون بين الصراعات والتحالفات. الأمر نفسه في تونس، خاصة في أسرة زوجة بن علي التي ذاعت أنباء الصراعات بينها والمتنافسين حولها. كما أن القذافي الذي يفاخر بأنه زعيم لا رئيس ظهر أبناؤه يتنافسون فيما بينهم على إدارة الدولة ويتصارعون على المنافع. ومع أن التنافس على وراثة الحكم لم يكن ظاهرا في دمشق، فإن نفوذ العائلة وتنافسها فيما بينها على التجارة والسلطة صار جزءا من حديث المجالس العامة.

وحديث المجالس عن قصص صراعات دلالة على تضعضع النظام وانعكاس للصراع الحقيقي في الأدوار العليا. انشغل مبارك بدوره في سنوات حكمه الأخيرة يحاول فك النزاع بين أركان دولته، اعتقادا منه أن توزيع الصلاحيات والمنافع بين الأطراف المتنازعة مثل الشريف والشاذلي وعزمي وسرور وغيرهم، يحقق الاستقرار للنظام، وربما يمهد الطريق لتوريث الحكم لابنه جمال. لم يبال بحسابات الشارع والقوى السياسية الأخرى خارج القصر، فمراكز الحكم الحقيقية لم تكن في القصر، بل في الشارع كما رأينا لاحقا، حيث أثبتت أنها أهم من الوزراء ورفاق الرئيس ورجال الأعمال، بل وأهم من الجيش. أنهكت الصراعات أنظمة الحكم، ومع مرور الوقت شاخت هذه الأنظمة، فالقذافي بعد أربعين عاما من الحكم الفردي، من الطبيعي أن تضعف مؤسسة حكمه بلا بدائل شرعية. ومع أنه كان يفاخر بأنه يقود بلدا بلا مؤسسات دولة بل دولة جماعات شعبية، وأن الشعب يحكم، فإن بيت القذافي كان مشحونا بالصراع على الحكم، وربما مستمر حتى في أيام النظام الحالكة الحالية. في تونس جاء للسلطة رجل أمن مجهول هو بن علي ليخلف زعيما تاريخيا عظيما هو الحبيب بورقيبة، وفي وقت كانت فيه تونس تعرف شخصيات سياسية كبيرة أهم منه. بن علي الذي جاء للحكم مؤقتا دام فيه نحو عقدين ونصف العقد. لم يع أهمية تعزيز مؤسسات الدولة لصالح الحكم واستقراره واستمراريته.. بل عمل على تهميشها. في دمشق أيضا الابن جاء بالخطأ، حيث ورث أباه ولم يعد للدولة حزب ولا صيغة حكم واضحة المعالم، جمهورية أم ملكية، مما وسع دائرة السلطة بمزيد من الأقارب.

كلها سقطت أو باتت مهددة بالسقوط، لأنها همشت مؤسسات الحكم وانشغلت بنيران أطراف السلطة، بدلا من الانتباه لنيران الشارع.