أنسي الحاج
نحتاج إلى وقت لنعتاد تحوّل الحروب والثورات إلى دراما تلفزيونيّة، وحين نعتاد، ونعتاد أساليب الإنترنت والخلوي، سنفاجأ بتطوّر جديد، كأنْ يتوصّل التلفزيون إلى محاورة القتيل بعد وفاته. استحضارُ الأرواح ميزة لدى البعض، فلماذا لا تلجأ إليه الفضائيّات أيضاً وقد باتت أَولى بكلّ شيء من أهل أيّ شيء؟
لا نكتب من وحي الغيرة فقط، بعدما كاد الإعلام التلفزيوني يلغي الحاجة إلى الصحافة المكتوبة، بل أيضاً من وحي طبيعة الأحداث نفسها. أو لنقل: نوعيّتها. جانب مهمّ من الثورات والثورات المضادّة التي نشاهدها يوميّاً على laquo;الجزيرةraquo; وlaquo;العربيّةraquo; يبدو كأنّه فيلم سينمائي، لا يتردّد فيه الممثّلون، أي المقاتلون، في تأدية أدوار يطلبها منهم المراسل أو المصوّر خدمةً لحيويّة المشهد. ومن غير المستبعد أن تكون حماسة العقيد القذّافي في الإغارة الجويّة وتكثيف القصف بالصواريخ مزايدة تمثيليّة منه على الثوّار، كي يظلّ محتفظاً بدور النجم.
نعتذر لسخريةٍ في غير موضعها. لكنّ ثمّة مَن يستهزئ بنا جميعاً، هو هذا الذي استغلّ الثورات التي بدأت عفويّة وأخذ يحرفها عن أهدافها فبدأ، في مصر مثلاً، يعمل على تركيب الإخوان المسلمين محل حسني مبارك والضياع في تونس محل بن علي والحرب الأهليّة في اليمن والدم في سوريا والمجهول في المصير العام.
هل نحن على عتبة تحويل العالم العربي كلّه إلى دول إسلاميّة لكي تنتظم في سلك واحد مع نظام إسلامي شيعي في إيران ونظام إسلامي سنّي في تركيا ونظام يهودي في إسرائيل؟ لماذا لا تحمل ولا ثورة برنامجاً للحكم؟ لم تعد كلمة ثورة تكفي كشهادة حسن سلوك منذ استعارتها السياسة الأميركيّة وراحت تُلبسها لمخططاتها. لم تعد ولا كلمة تعني ماضيها. لا الاشتراكيّة ولا الشيوعيّة ولا الناصريّة ولا القوميّة. لقد اختلط اليمين باليسار حتّى لم يعد الجسم معروفاً رأسه من كعبه. إنّه زمنُ الضحك على الشعوب بواسطة مخدّراتها اللفظيّة. والبداية دوماً صادقة، محقّة، من موضع القهر والظلم. وفوراً تعقب البداية فصول التحكّم في الأزرار.
شيءٌ من هذا فضحته الفضائيّات بالرغم منها. لا نأسف ولا على نظام عربي. ولا واحد منها إلّا نَخَره الفساد وحَجَّره الإستبداد. ما نأسف عليه هو الزمن الذي مرّ قبل أن تتحرّك الشعوب. وما نتخوّف منه هو المُبيَّت لاصطياد هذه الفسحة من الانتفاض ولاصطياد المنطقة.
لم نَعْتَدْ أن يُهدينا أحد شيئاً. ولم نعتد أن يتفرّج علينا أحد ونحن نحاول تقرير مصيرنا بحريّة. ندعو أن نكون هذه المرّة مخطئين. نتمنّى أن تكون نيّاتنا هي السيّئة لا غيرها وأن يكون قلقنا في غير محلّه. حتّى المسلسلات الدراميّة تكون أحياناً نهايتها سعيدة.
- آخر تحديث :
التعليقات