وحيد عبد المجيد

يثير الاختراق الذي تحقق في ملف المصالحة الفلسطينية سؤالاً عن أثر التغيير الذي يجتاح العالم العربي في مواقف حركتي quot;فتحquot; وquot;حماسquot; والعلاقة بينهما. فقد فاجأ وفدا الحركتين اللذين اجتمعا في القاهرة العالم بإعلان تجاوزهما نقاط الخلاف التي فشلت حوارات عدة في حلها منذ أن تصاعد الصراع وأدى إلى تعميق الانقسام ثم ترسيخه.

ويبدو السؤال منطقيّاً، إذ لم يتغير شيء يُذكر في التفاعلات الداخلية الفلسطينية منذ أن انتهت آخر جولة حوار بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; إلى طريق مسدود في نوفمبر الماضي. المنطقة هي التي تتغير منذ ذلك الوقت. فلم تمض ثلاثة أسابيع على إعلان فشل جولة الحوار الأخيرة التي استضافتها دمشق حتى شهدت تونس احتجاجات شعبية تحولت إلى ثورة أطاحت بـquot;بن عليquot;. ولم يمر 11 يوماً على مغادرة الرئيس التونسي السابق بلاده حتى كانت عدوى التغيير انتقلت إلى مصر في صورة احتجاجات تحولت بدورها إلى ثورة غيرت نظام الحكم. وقبل أن ينقضي الأسبوع الخامس بعد تنحي مبارك كانت الاحتجاجات قد وجدت طريقها إلى سوريا.

فالسؤال عن أثر هذه التحولات على الملف الفلسطيني ضروري، إذن، على رغم أن الأزمة التي تفاقمت بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين تعود إليهما أكثر مما ترتبط بأبعاد عربية أو إقليمية. فقد اقترن الانقسام الذي بدأ سياسيّاً- أيديولوجيّاً وانتهى جغرافيّاً- أمنيّاً بتحول quot;فتحquot; وquot;حماسquot; من شريكين متنافسين في نضال مشترك من أجل قضية واحدة إلى خصمين متصارعين.

ولم تكن الخلافات المصرية- السورية، ولا التباين بين ما اعتبره بعض المراقبين تياري اعتدال وممانعة، وراء تصاعد الصراع الفلسطيني وبلوغه مبلغاً أدى إلى استعصائه على الحل لسنوات طويلة. ومع ذلك ربما يصعب إغفال أثر هذا التباين وتلك الخلافات في دفع كل من quot;فتحquot; وquot;حماسquot; إلى التشدد في بعض المواقف والتخندق في لحظات معينة على نحو أضعف إمكانات إنهاء الانقسام. كما يصعب أيضاً، ولهذا السبب، استبعاد أثر التغيير الذي يحدث في المنطقة عموماً وفي مصر وسوريا خصوصاً في حسابات الحركتين.

فلم يكن خافيّاً أن مصر مبارك اعتبرت سلطة رام الله هي الممثل الوحيد للشرعية الفلسطينية، وحمَّلت quot;حماسquot; المسؤولية الأولى عن الانقسام فضلًا عن أنها ارتابت في نواياها بسبب علاقتها المعروفة مع تيار quot;الإخوان المسلمينquot;.

وكان واضحاً أيضاً أن سوريا اعتبرت حركة quot;حماسquot; وسلطة الأمر الواقع التي فرضتها في قطاع غزة جزءاً من quot;معسكر المقاومةquot; وشجعتها على اتخاذ مواقف متشددة ورفض أية مصالحة لا تضمن استمرار المكاسب التي انتزعتها على الأرض منذ أن انفردت بالسيطرة على قطاع غزة عام 2007، وبصفة خاصة عندما يُعاد توحيد الأجهزة الأمنية.

ولأن لب الصراع بين الحركتين انتقل منذ quot;موقعة غزةquot; 2007 من السياسة والإيديولوجيا إلى السيطرة على الأرض، فقد بات الخلاف على كيفية إعادة توحيد الأجهزة الأمنية هو العائق الرئيسي في طريق المصالحة. وكانت هذه هي الحال في جولات الحوار الأخيرة بينهما. فقد ظل موطن الداء كامناً في طريقة تشكيل اللجنة الأمنية العليا التي نصت وثيقة اقترحتها مصر في أكتوبر 2009، بعد عام كامل من الحوار الشامل بين الفصائل كلها تقريباً، على أن تقوم بإعادة بناء وهيكلة أجهزة الأمن.

وعندما انتهى الحوار عشية quot;تسوناميquot; التغيير العربي الراهن إلى الطريق المسدود، لم يكن هناك خلاف على قضية الانتخابات وإجراءاتها واللجنة التي تشرف عليها والمحكمة التي تنظر في طعونها، وما إلى ذلك. ولهذا لم يأتِ اتفاق المصالحة بجديد عندما توافق الفصيلان على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد عام على توقيعه. ولكنه أتى بجديد عندما قبل كلاهما تشكيل حكومة مؤقتة يتم اختيار رئيسها وأعضائها بالتوافق حتى إجراء هذه الانتخابات. ويعني ذلك تنازل quot;حماسquot; عن رفضها السابق أن تكون هذه الحكومة فصائلية. فكان أقصى ما قبلته هو تشكيل حكومة مهمات بدون برنامج سياسي.

غير أن التنازل الأكثر أهمية، والذي فتح الطريق أمام المصالحة، هو ما أقدمت عليه quot;فتحquot; عندما قبلت اختيار اللجنة الأمنية العليا التي ستعيد توحيد أجندة الأمن بالتوافق وتخلت بالتالي عن إصرارها السابق على أن تشكيل هذه اللجنة يدخل ضمن صلاحيات الرئاسة الفلسطينية.

وإذا كانت للمقارنة بين جديد مواقف الطرفين دلالة على علاقته بالتحولات التي تحدث في العالم العربي، فهو أن التغيير الكبير في مصر دفع quot;فتحquot; إلى مراجعة حساباتها بدرجة أكبر نسبيّاً مما اضطرت إليه quot;حماسquot; نتيجة عدم استقرار الوضع في سوريا.

ولكن المحصلة هي أن كلًا من الفصيلين الفلسطينيين بات يدرك أنه سيكون في مركز أضعف في الفترة القادمة. وإذا كان هذا يبدو أكثر وضوحاً في حالة quot;فتحquot; نتيجة اتجاه السياسة المصرية الجديدة إلى موقف أكثر توازناً، فهو ليس خافيّاً في حالة quot;حماسquot; التي تعرف قيادتها أن الاحتجاجات في سوريا أضعفت نظام بشار الأسد وأنه لن يستعيد قوته السابقة داخليّاً وإقليميّاً حتى إذا تمكن من السيطرة على الأوضاع. كما تدرك quot;حماسquot; أن تنحي مبارك أحدث تحسناً سريعاً بين القاهرة ودمشق لأن العامل الشخصي كان أحد أهم أسباب الفتور السابق، وأنه خير لها بالتالي أن تعيد حساباتها بحيث لا تبقى مستندة بالكامل إلى quot;محور إقليميquot; سيضعف تدريجيّاً، وأن تستفيد في الوقت نفسه من التغير الذي يحدث في نظرة مصر إليها.

وإذا كانت quot;فتحquot; قدمت تنازلًا أكبر نسبيّاً من أجل المصالحة، فلأن غلق الطريق أمام أي حل تفاوضي لقضية فلسطين أضعف مركز قيادتها ورئاسة السلطة الفلسطينية بدرجة لا تقل أهمية عن افتقادها أكبر حليف عربي بعد تنحي مبارك. وهذا هو ما لمسته quot;هآرتسquot; الإسرائيلية قبل أيام عندما اعتبرت حكومة نتنياهو وإدارة أوباما مساهمتين في المصالحة الفلسطينية الراهنة بعد أن أغلقت الأولى طريق التفاوض وبدت الثانية عديمة الحيلة.

ولذلك فمثلما لم يكن الوضع العربي هو العامل الرئيسي وراء غلق طريق المصالحة في السنوات الماضية، فليس التغيير الذي يحدث في هذا الوضع هو العامل الوحيد الذي يفتحه الآن. فإلى جانب التطرف الإسرائيلي والفشل الأميركي، ساهم الشعب الفلسطيني في توليد الضغوط على قيادتي quot;فتحquot; وquot;حماسquot; عندما استلهم بعض شبابه التغيير الذي يحدث في بعض البلاد العربية ورفعوا شعار quot;الشعب يريد إنهاء الانقسامquot;، ثم دعوا إلى انتفاضة ثالثة في الذكرى القادمة للنكبة التي تحل بعد عشرة أيام.

ولكن المهم في هذا كله هو أن تكون المصالحة نهائية هذه المرة، وألاَّ يلقى الاتفاق الجديد بشأنها مصيراً مماثلاً لما انتهت إليه ثلاثة اتفاقات سابقة وقُعت في 17 مارس 2005 و27 يونيو 2006 و8 فبراير 2007.