يوسف الكويليت

لسنا معنيين بغضب أو رضا إيران عندما تقذف برسائلها النارية لدول الخليج العربي، وإصرارها أنها الوصي المعتمد من قوة كونية على هذه الدول، والنموذج الذي طرحه رئيس الأركان للقوات المسلحة الإيرانية laquo;حسين فيروز باديraquo; لا يتصف بالعقلانية عندما يصر على تسمية الخليج بالفارسي، وأن الدول المطلة عليه أجزاء من فارس، ويصف دوله بالدكتاتوريات، وكل هذا مجرد تنفيس عما يجري في المنطقة، والمخاوف من سقوط نظام بلده الذي صار معزولاً إقليمياً ودولياً..

التحولات العربية لم تأت من تعاليم الثورة الإيرانية بل جاءت انعكاساتها عليها بما يمثل خطراً على الحبس الكبير للشعب الإيراني، وقد كنا نتمنى أن يعرف السيد حسين مفهوم العلاقات باللغة الدبلوماسية لا العسكرية، وأن يحدد مفاهيم أخرى تختلف عن التهديد والوعيد..

لقد كشفت دول الخليج العربي عن تجاوزات إيران بإرسال الأسلحة، وتجنيد الجواسيس لضرب أمن هذه الدول تحت دعاوى حق التظاهر والحرية، ولو جاء هذا الكلام من دولة ديمقراطية تنظر للعالم من زاوية نظامها لأصبح مقبولاً، لكن أن يأتي من دولة قمعية عزلت وسجنت رموز ثورتها، وتحفظت على بعضهم داخل منازلهم، وأظهرت الصور المنقولة من مدن إيران كيف تم قمع المظاهرات حتى بأساليب إطلاق النار وقتلهم فهو أمر غير مقبول ، ومن يصدر الأوامر بالحرية والديمقراطية عليه أن يعالج وضعه أولاً؛ لأن الدول الرشيدة لا تحتاج وصايا وتعليمات من دولة لديها العديد من الثقوب تجاه مواطنيها..

لقد حاولت دول الخليج أن تمد حبال التواصل مع إيران، وتكون مصدراً لصادراتها ووارداتها لكسر الحصار الذي فرض عليها عالمياً، وتكلم المسؤولون العرب بلغة التهذيب لا التهديد، لكن إيران خالفت الحد الأدنى من الدبلوماسية المرنة، وهذا يعيدها إلى المربع الأول نتيجة تصرفاتها مع محيطها العربي وآسيا الوسطى، والتي تخشى أن تصلها عدوى الثورات العربية..

الحرب الباردة التي تشنها إيران مسوغاتها أنها المؤهلة لتكون القطب الذي تدور حوله كل الدول الملاصقة لها، وهذا لا يأتي بشروط تعميم الفوضى بل بمفاهيم عصر التعايش، وتبادل المصالح، وقد تكون تصرفات الرسميين في الحكومة الإيرانية محاولة للتخفيف من الضغط الداخلي، وتساقط حلفائها، وهي سياسات لم تعد صالحة إذا لم يكن البناء الوطني ثابتاً على أسس الحقوق المتساوية للقوميات والأقليات والمذاهب الأخرى، وقد شهد العالم كيف حدثت مجازر الأحواز، وعدم السماح لهم باستعمال لغتهم العربية كحق طبيعي، وكذلك الأكراد والبلوش والأذريين وغيرهم الذين لا تشملهم المواطنة الكاملة مثل العرق الفارسي..

لسنا في وارد تتبع شطحات الحكومة الإيرانية والرد عليها، لأن لدينا ما هو أهم من رفع لافتات الاحتجاج، ورمي الآخر بقصور أعماله، لأننا جربنا في مرحلة سابقة هذه الأساليب وأدركنا عدم جدواها، ثم إن إيران إذا كانت تريد فك عزلتها فعليها أن تكسب رضا مواطنيها أولاً، ثم التعامل بعقلية ومسؤوليات الدولة التي توازن بين أفكارها، ومصالحها، وهي عملية تحتاج إلى من يفهم كيف يخطو على الرمال المتحركة ويصل إلى بر الأمان..