طارق رمضان

أعتقد أن موت أسامة بن لادن، رمز الإرهاب، لا يعد حدثا ذا بال بالنسبة للمسلمين في العالم، حيث لم تكن رؤيته أو تصرفاته تحظى باحترام على نطاق واسع، كما أكدت كثير من الاستطلاعات التي أجرتها حكومات غربية وخبراء في مجال مكافحة الإرهاب. وعليه، فإننا نتعامل مع حدث أميركي، بالأساس، وأوروبي، على نطاق أوسع.

وكانت طريقة الإعلان عن هذا الخبر، في شكل بيان حازم صيغ بحرص، ألقاه الرئيس الأميركي مباشرة عبر شاشات التلفزيون، تهدف إلى نقل انطباع الهدوء في ساعة النصر على الإرهاب، وعلى العدو الأول لأميركا. لم يكن هناك فخر أجوف. وحقق باراك أوباما، الذي وُجهت إليه انتقادات حادة قبل ذلك، وقيل إنه يفتقر للقوة والحزم في قضايا خاصة بالأمن القومي، وفي الحربين الدائرتين داخل العراق وأفغانستان، نجاحا رمزيا قويا سيكون له أثر قوي على الرأي العام؛ فلم يكتف بالاستمرار في اقتفاء أثر بن لادن، ولكن في سرية تامة قاد عملية حساسة كُللت بالنجاح في نهاية المطاف، ويبدو في حكم المؤكد أنها ستعزز من صورته كرئيس حاسم قادر على التصرف في مجالات حساسة تتعلق بالأمن القومي والدفاع والفخر الوطني. والصور الوحيدة المتاحة حاليا هي صور الرئيس أثناء متابعته العمليات من مكتبه في واشنطن؛ ويعد ذلك تسلسلا لمكاسب إعلامية محسوبة بمهارة كبيرة ودرست بإتقان.

ولكن يجب أن نتجاوز فورة الفرح التي بدت على المواطنين المحتفلين في الشوارع داخل نيويورك. ما الذي يبقى أمام الشرق الأوسط وهو يتأمل واقعين متناقضين: على جانب، الثورات السلمية الشعبية داخل العالم العربي، وعلى جانب آخر، موت رمز التطرف المعتمد على العنف وزعيم مجموعات هامشية ومهمشة؟

ربما تحدث تصرفات إرهابية انتقامية، ويجب توقع هذا والتعامل معه بالحزم المطلوب. ولكن تتمثل المهمة في محاربة وتحييد تصرفات استفزاز منعزلة لا يمكن أن تُستخدم تحت أي ظروف لتبرير فلسفة تصرف سياسي، وهو النهج الذي استخدمته الحكومة الأميركية السابقة. لقد حان الوقت كي نتعامل مع التطرف العنيف على الحقيقة، وباعتباره تصرف مجموعات صغيرة لا تمثل الإسلام أو المسلمين، ومواقف سياسية منحرفة لا تحظى بمصداقية داخل أغلبية المجتمعات الإسلامية.

يمكن أن تنبع عناصر فلسفة سياسية جديدة تحدد علاقة الغرب مع الإسلام ومع المسلمين من بوتقة التحرك الواسع من أجل العدالة والحرية والديمقراطية والكرامة، الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يجب فهم عملية الإحياء الجارية داخل الشرق على أنها مطالبة بدراسة نقدية للذات من جانب الغرب. وبمجرد أن تنتهي حالة الفرح بالإطاحة بابن لادن، laquo;رمز سرطان الإرهابraquo;، يجب على الغرب أن يتحرك سريعا لمراجعة سياسته الإقليمية. ويمثل الوجود الأميركي والأوروبي في أفغانستان والعراق، مع غياب الالتزام الجازم بحل النزاع العربي - الإسرائيلي، عقبة أمام أي تطور إيجابي. ويجب أن يضاف إلى هذه القائمة، قضايا داخلية، مثل تشريعات تمييزية تهين الكرامة البشرية والحريات الشخصية، ووجود معتقل غوانتانامو واستخدام التعذيب، وهي تصرفات تعزز من عدم الثقة في الولايات المتحدة وحلفائها. ويجب إعادة النظر سريعا في الدعم الانتقائي لنظم ديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط، حتى لا تثير هذه السياسات تساؤلات مشروعة عن الدعم الحقيقي من جانب الغرب للعملية الديمقراطية بالعالم العربي.

ولدى المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية مسؤولية كبيرة لإدارة مستقبلهم. ولا يمكن القول بقوة كافية إن العنف والتطرف لم يغريا من قبل الأغلبية الكاسحة لشعوبهم. ومع صحوة الشعوب، من الضروري أن يبقى المجتمع المدني (بما في ذلك المثقفون والأحزاب السياسية) معبأ ومنتبها، كي يكشف عن الفساد وغياب حكم القانون وغياب العدل، وليصوغ استراتيجية حقيقية لخلق مجتمعات حرة وديمقراطية، وليضع، في نهاية المطاف، الشروط لعلاقات سياسية واقتصادية جديدة مع الغرب. كما أن وجود لاعبين جدد من الشرق الأدنى، بدءا من الصين، يعيد ضبط أبعاد النظام الاقتصادي العالمي.

وتعرف أميركا، مثل دول أميركا الجنوبية ومثل الصين والهند وتركيا، ما يحدث على وجه التحديد. وربما يكون laquo;الربيعraquo; العربي، في حقيقته، laquo;خريفraquo; علاقات العالم العربي مع الغرب، وطريقا جديدا لربيع آخر أوسع نطاقا محدد هذه المرة من جانب الشرق والمشرق. وفي مقابل هذا المشهد الجغرافي الاقتصادي الناشئ، تكمن في الإعلان عن موت بن لادن قوة رياح تتلاشى أو حدث عشوائي.