شكّل مقتل زعيم القاعدة، بمنظور محللين جزائريين، quot;خبطةquot; أميركية خدم توقيتها بشكل كبير الرئيس أوباماquot;، ويعزو هؤلاء في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; عدم اعتقال بن لادن بدلاً من قتله ورميه في البحر، إلى الرغبة في إبقاء quot;بئر الأسرارquot; موصدًا، في حين يرون أنّ سقوط بن لادن لن يضعف القاعدة، حتى في ظل توقعات بانقسامها إلى أجنحة. في المقابل، يبدو الشارع الجزائري متباينًا حول نهاية الرجل، ويشكك كثيرون في رمزية الرجل ونوايا أميركا من وراء القضاء عليه.


فرح شعبي عارم باغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن

الجزائر: يشير دquot;إسماعيل معرافquot; إلى أنّ نهاية بن لادن لها علاقة وطيدة بالاستحقاقات الانتخابية المقتربة في الولايات المتحدة، حتى يبدو أوباما أفضل من سلفه جورج دبليو بوش، ما يجعله quot;خبطة سياسيةquot; على حد تعبيره، صعدت بالرئيس الأميركي الحالي إلى السماء.

بدوره، يجزم هيثم رباني أنّ توقيت العملية خدم أوباما على اعتبار استعداده لخوض سباق الانتخابات الأميركية للمرة الثانية، لكن الأميركيين لم يعثروا على بن لادن بمساعدة باكستانية، إلاّ في الأشهر الستة الأخيرة، وكان لابد للأميركيين أن يتأكدوا من أنه هو قبل أن يقدموا على قتله، ثم كان لابد من التفاوض مع الحكومة الباكستانية قبل القيام بأي عمل، من ذلك مكان وضع طائرات الهيلكوبتر ومكان انطلاق قوات المارينز، إلى غير ذلك من الترتيبات التي تحتاج بعض الوقت.

ويشرح معراف أنّ توقيت العملية يدل على أنّ الأميركيين قاموا بعمل جد نوعي، ودراسة جيدة للوضع على أهبة الاستحقاقات الانتخابية الأميركية، حيث استغلت واشنطن انشغال الشارع العربي بالثورات، بما ضمن عدم وجود أثر لرحيل بن لادن، إذ لم يعط مقتله ذاك الزخم الذي كان سيتولد لو تمّ في ظروف مختلفة.

يتصور رباني أنّ نجاح العملية هو من أوجد العلاقة بين سقوط بن لادن والاقتراع الرئاسي في أميركا. في هذا الشأن، يقدّر رباني أنّ أوباما غامر كثيرًا عندما وافق على تنفيذها، على اعتبار أنّ استطلاعات الرأي كانت تشير إلى تدن كبير في شعبيته بسبب الوضع الاقتصادي البائس في الولايات المتحدة، ودليل مغامرة أوباما هو ظهور القلق على وجهه وهو يتابع العملية عبر quot;المباشرquot;، وسبب القلق هو طول العملية نسبيًا، إذ دامت 40 دقيقة، وهي مدة شوط في كرة القدم، فضلاً عن إسقاط مروحية خلال العملية.

من جانبه، يؤيد الخبير الأمني فارس فتح الله الرأي القائل بانتهاء صلاحية بن لادن، ما استدعى التخلص منه، محيلاً على الدراسات الأميركية للشارع العربي، التي خلصت إلى وجود موجة جديدة من الوعي، صار معها بن لادن لا يعني شيئًا، وبات التحدي كبيرًا في الديمقراطية والحرية، فما يُعرف بـquot;العدو البعيدquot; لم يعد كذلك، وصار العدو القريب بالنسبة إلى العرب هو الانعتاق من تسلط الأنظمة وترسبات الفقر والجهل.

إلى ذلك، يسوّغ رباني قتل الأميركيين بن لادن وامتناعهم عن إيقافه، بـquot;بئر الأسرارquot; الذي يحتويه قلب زعيم القاعدة، ويفترض محدثنا أنّ أسامة لو مُسك حيًا، ثم قابله محققون أميركيون وقضاة ومحامون، لكان وقع ما يقوله بن لادن أكبر من وقع وثائق ويكيليكس، ثم إن محاكمته كانت ستستغرق سنوات، قد تتعرض خلالها أميركا إلى هجمات خطرة لإطلاق سراحه.

يشاطر معراف رأي رباني، في أنّ الأميركيين لو اعتقلوا بن لادن لارتكبوا خطأ جسيمًا، كان سيؤجج كل العالم العربي الاسلامي، ويفسر معراف رمي زعيم القاعدة في البحر، بوصول واشنطن إلى مرحلة كان يجب التخلص من رمزيته.

لكن رباني يصنف محاولة تصوير بن لادن كعميل لأميركا جرى التخلص منه، بـquot;المحطّمةquot; لكل عزائم العرب وشعوب العالم الثالث، معناه أنّ كل أمر سار أو محزن في أمتنا سببه أميركا، ويستغرب المحلل السياسي والأمني الجزائري كيف لبلد أن يصرف تريليون دولار لمحاربة الإرهاب، لمجرد إقناعنا أنه اللاعب الأساس في العالم، أو أن بن لادن كان صنيعته، ويلاحظ رباني أنّه هكذا قيل عن كل أعداء أميركا، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

القاعدة مستمرة وسيناريو الانقسام قائم
يوعز المحللون الثلاثة أنّ القاعدة ستضرب حيث تستطيع بعد موت بن لادن، مثلما كانت تفعل في حياته، ومن المنطقي أن يفرز سقوط قائدها ردود أفعال قد لا تحدث الآن، ولكن بعد مدة، لأنّ هجمات القاعدة متعددة، ولا يمكن تحديدها بدقة. ويتكهنّ معراف بانقسام القاعدة إلى أجنحة مختلفة، معتبرًا أنّ quot;طالبان باكستانquot; ستصبح أخطر على أميركا من القاعدة، لأنّ طالبان قائمة على القتل والدمار، وليس لديها بحسبه أي مشروع، وسترد بعنف لإحساسها بأنّه جرى انتهاك عرضها في معقلها، حيث ستكون هجمات قوية في الفترة القليلة المقبلة، خصوصًا في باكستان.

في سياق متصل، يرفض فتح الله الاتجاه القائل بنهاية القاعدة، ويتفق فتح الله مع رباني في عدم صواب الاعتقاد بضعف القاعدة مستقبلاً، ويستدلان بكون كل الضربات التي طالت التنظيم في مختلف أنحاء العالم في السنوات الأخيرة، خاصة في باكستان وأفغانستان لم تنل منه، كما إنّ القاعدة لم تنتظر حتى تقسمها مصالح الأمن، بل قسمت نفسها بشكل يمنحها حرية الحركة.

عليه، لا يعتقد الخبيران أن يؤثر بن لادن في التنظيم لأنّ القاعدة لم تكن بحاجة إليه من الناحية العملية، ومحركها ظلّ quot;فكريًاquot; وليس شخصًا واحدًا، رغم الأهمية المعنوية لوجود بن لادن، فالأخير انسحب إلى مخبئه منذ سنوات عديدة، بعدما نجح في نشر فكره، وتشكلت خلايا مستقلة للتنظيم في أنحاء العالم، وكل قائد مستقل بقراره ونفوذه، بدون حاجة إلى أوامر شخصية من بن لادن، الذي اكتفى بالتوجيه والإفتاء من حين إلى آخر، وهذا ما عقّد مهمة أجهزة الأمن في تعقب التنظيم.

يركّز رباني على أنّ الظواهري لن يقوى على تقمّص دور الملهم للتنظيم بسبب سنّه، ومتابعة أجهزة الأمن العالمية له، ولن يبقى له من جهد إلا للاختباء، في المقابل، ستظهر قيادات جديدة ستظهر، ما يجعل السنوات الخمس المقبلة، حبلى لمصالح الأمن حول العالم.

في غضون ذلك، لا يستبعد معراف وفتح الله اضطرار الظواهري إلى مراجعة رؤيته للأوضاع، بما سينتج قاعدة جديدة بمطالبات سلمية، بيد أنهما يعارضان اعتبار البعض مقتل بن لادن نقطة تحول في مكافحة الإرهاب، حيث يصرّان على أنّ هذا الإرهاب محض صناعة أميركية مثل الملكية في بريطانيا، وسيُمحى الإرهاب عندما تغيّر أميركا خططها.

يلحّ رباني على أنّ مقتل بن لادن لن يعزز جهود أي أحد، لا سيما وأنّ استيراتجية القاعدة كامنة في استهداف الغرب، طالما أنّ الأخير وعدائيته هما سبب وجود تنظيم القاعدة، ولن يختفي أحدهما إلا باختفاء الآخر، ولن تغيّر القاعدة من استراتيجيتها لأنها سبب وجودها الأول.

مباركة مشوبة بالتشكيك
اختلف تعاطي الشارع الجزائري مع مقتل بن لادن، حتى وإن غلب طابع المباركة المشوبة بالتشكيك، حيث رأى أكثر من واحد أنّ الحادثة دعائية إلى حد بعيد، وجرى إخراجها بطريقة هولييودية.

وعلّقت خليدة وجميلة (موظفتان في بنك خاص) أنّ بن لادن أكبر كارثة ابتلي بها العالم، لكن نهايته بالطريقة التي تمت تثير تساؤلات، فيما أوعز جميل (أستاذ في الإعدادي)، وتوفيق (تاجر) ومحمد (مسرحي) أنّهم فرحوا لسقوط بن لادن، لكنّ مؤدى quot;قاتل الأبرياءquot; على حد تعبيرهم، غامض ويجعل الدور الأميركي في القضية محيّرًا وباعثًا على تأويلات متعددة.

ويقارب أحمد (مهندس) ورياض (عامل في مصنع) أنّ قتل بن لادن هو مغازلة أميركية للشعوب العربية التي فاجأتها بثوراتها، ويتوقعان أن تُضحّي أميركا بإسرائيل في حال اتحاد الشعوب العربية ضد الدولة العبرية.

من جهته، يتساءل يوسف (طبيب): quot;الولايات المتحدة من قتلت... بن لادن؟!،َ ولماذا الآن تحديدًا؟ إنها الدعاية الانتخابية تطرق على الأبوابquot;، على المنوال عينه ينسج جمال الناشط الاجتماعي :quot;ها قد قتلت أميركا ابنها الضال الذي صنعته ودربته سنوات طويلةquot;.

ويبرز جمال أنّ أميركا استهزأت بالدين الإسلامي الحنيف، برميها جثة بن لادن في البحر، تمامًا مثل إعدامها صدام صباح يوم العيد، وسوف تعمل أميركا بحسبه، جاهدة لصنع بن لادن ثان وثالث وعاشر، لأنّ الإرهاب هو مصدر عمل لها، على حد وصفه.