إيمان شمس الدين

رغم اننا لا ننكر ما للفتوى من دور تاريخي في مواجهة المستبدين وإسقاط أنظمة فاسدة ومواجهة استعمار محتل، فإننا أيضا نجد تحولا في مسار وظيفة الفتوى من وظيفة ترشيد وعي ونهضة فكر وتحريك الركود في ذهنية الجماهير، إلى سلطة قمع ديني تكرس الاستبداد أو تؤطر وظيفة الفرد أو تحجم وظيفة الدين بطريقة علمانية في بعدها العملي.
وفي الثورات الأخيرة وجدنا انحرافا خطيرا في مسار الفتوى، التي سخرت في بعض الثورات للتأييد، وفي بعضها الآخر للرفض والشجب، وتحولت وظيفة الفتوى التي يفترض أن تشكل صمام الأمان لصون المبادئ والقيم والمعايير الرسالية الانسانية، إلى وظيفة تكرس سلطة الاستبداد بازدواجية للمعايير قائمة على أساس التعصب المذهبي أو الطائفي، وكانت مرجعية المال هي التي ينطلق منها المفتي غالبا لتحركه باتجاه الفتوى، لا سلطة الله تعالى.
وباتت موقعية الفتوى عرضة للسخرية من قبل الناس بعد أن كانت هذه الموقعية لها قيمتها ومرجعيتها المحترمة في ذهنية الجماهير، مما أضعف العلاقة بين الجماهير والدين من خلال المفتي الذي بدلا من أن يمثل همزة الوصل القوية التي توصل الانسان بحقيقة وجوهر الدين وتفعله على كل مستويات الحياة، عكس صورة مشوهة للدين لارتباط الناس بالدين من خلال المفتي أو المؤسسة الدينية. ومن باب المثل، يضرب ولا يقاس، نقول هي صورة شبيهة لارتباط الناس بالكنيسة في العصر القروسطي، حيث كان ارتباط الناس بالله عن طريق رجال الكنيسة، وهو ما أدى إلى الانقلاب الكلي على الدين نتيجة ممارسات رجال الكنيسة الخاطئة من جهة، وانحراف المرجعية التي يمثلها الانجيل المحرف من جهة اخرى، مع اختلاف جوهري ومهم بين التجربة الكنسية وتجربتنا الدينية وهو أن مرجعيتنا هي القرآن المحفوظ من التحريف، ولكن الاشكالية التي أبعدت الناس عن الدين هي ممارسة بعض رجال الدين وفهمهم للرسالة الاسلامية بطريقة بعيدة عن جوهر الشريعة ومقاصدها، مما أحدث فجوة حقيقية بين الناس والدين.
وإذ اننا لا نريد أن نلقي بالمسؤولية كاملة على رجال الدين، نجد أن ارتباط الناس بالدين عن طريق الرجال هو ارتباط خاطئ، حيث ان الاسلام بين أهمية الموقع والوظيفة ووضع المواصفات والمعايير ولم يعط أهمية للشخص، وترك للناس وظيفة التقييم والمتابعة.