عيسى الغيث

صدر laquo;نظام المطبوعات والنشرraquo; الحالي بالمرسوم الملكي رقم م/32 وتاريخ 3/9/1421ه؛ حيث جاء بعد نظام المطبوعات والنشر السابق الصادر بالمرسوم الملكي رقم 17 وتاريخ 13/4/1402ه، وقد ورد في المادة laquo;الثانيةraquo; منه أن النشاطات التي تخضع لأحكام هذا النظام بلغت تسعة عشر، ونصت الفقرة العشرون على جواز إضافة أي نشاط تقترحه وزارة الإعلام ويقره مجلس الوزراء، وقد اقترحت الوزارة إضافة laquo;نشاط النشر الإلكترونيraquo;، لتأتي الموافقة عليه في شهر شوال لعام 1431ه ويكون النشاط رقم (20)، ومن ثم صدرت اللائحة التنفيذية له، والتي أعيد تعديلها ونشرت على موقع الوزارة والمكونة من تسع عشرة مادة، إلا أن التعديلات الجديدة على النظام الصادرة بالأمر الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432ه كانت لخمس مواد هي:

نص الأمر على أن هذا التعديل منطلق من (هدي شرعنا المطهر بحفظ الكلمة وصيانتها، وتحمل مسؤوليتها، والتحذير من خطورتها على الفرد والجماعة)، وهو بهذا يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة؛ بحيث من جهة يحقق المصلحة بحفظ الكلمة وصيانتها ومسؤوليتها، ومن جهة أخرى يدرأ المفسدة بالتحذير من مخالفة

(9، 36، 37، 38، 40)، ولم تشمل المادة (2) الخاصة بأنواع الأنشطة المشمولة والتي من ضمنها النشاط الإلكتروني، ما يعني بقاء المادة وفقرتها ولائحتها التنفيذية بلا حاجة للتعديل، إلا وفقاً لما تقتضيه المواد المعدلة عند الحاجة.

وعند القراءة التحليلية للأمر الملكي بالتعديل تظهر ثلاثة أقسام له، أولها الديباجة المعتادة للمستندات الدستورية والقانونية، وثانيها حيثيات التعديل وضوابطه، وثالثها نص المواد بعد التعديل، ولذا فنحن بحاجة لقراءة متأنية للحيثيات والضوابط الواردة لأهميتها، إضافة للمواد المعدلة والفروق بينها وبين السابقة، وذلك لبيان الجوانب الإيجابية فيها.

وما ينبغي الوقوف عنده وتأمله النص الوارد ضمن مرئيات وزارتيْ العدل والإعلام والذي تتم الموافقة عليه بالأمر السامي رقم 1910/م ب وتاريخ 9/2/1426ه حيث أكد على (الالتزام بتحقق شرط الولاية الشرعية والنظامية للنظر في القضايا، واعتبار ما صدر بالمخالفة لذلك لاغياً باعتباره صادراً من غير ذي صفة، وذلك تأسيساً على ما أجمع عليه فقهاء الإسلام من أن من قضى في غير ما ولي فحكمه باطل، ولا تترتب عليه آثاره)، وهذا ما يجب التقيد به والعمل على تنفيذه بدقة، لأن ولي الأمر هو مرجع السلطات ومنشأ الولايات بما فيها الولاية القضائية، وبالتالي فكل مخالف للنظر فيما لم يولّ عليه فهو مفتئت على ولي الأمر، ومتجاوز لصلاحياته.

وقد نص الأمر على أن هذا التعديل منطلق من (هدي شرعنا المطهر بحفظ الكلمة وصيانتها، وتحمل مسؤوليتها، والتحذير من خطورتها على الفرد والجماعة)، وهو بهذا يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة؛ بحيث من جهة يحقق المصلحة بحفظ الكلمة وصيانتها ومسؤوليتها، ومن جهة أخرى يدرأ المفسدة بالتحذير من مخالفة ذلك لخطورتها على الفرد والمجتمع، وأشار الأمر الملكي إلى أن هذا قد جاء بعد الملاحظة على (بعض وسائل الإعلام من التساهل في هذا الأمر بالإساءة أو النقد الشخصي)، وهذا لا يختص بالوسائل التقليدية المرئية والمسموعة والمقروءة، وإنما يشمل الأخطر الصادر من المواقع الإلكترونية، وما يميز هذا الأمر عدم اقتصاره على علمائنا الأفاضل المشمولين بالأمر رقم (أ/71) وتاريخ 13/4/1432ه؛ حيث ساوى بشموله لغيرهم (ممن حفظت الشريعة لهم كرامتهم وحرمت أعراضهم، من رجال الدولة أو أي من موظفيها أوغيرهم من المواطنين)، وهذا يعني أن الأمر لا يقتصر على عشرين مواطناً هم أعضاء هيئة كبار العلماء وإنما يشمل عشرين مليوناً هم كل المواطنين بلا استثناء، وهذا مقتضى العدل الإسلامي، فللعلماء حقهم ووقارهم ولغيرهم كذلك حرمتهم وقدرهم، ما يعني أنه يحق لكل مواطن أن يتقدم بالدعوى ضد أي وسيلة إعلامية أو إلكترونية حينما تعتدي عليه وتسيء لسمعته وتنقده شخصياً تاركة النقد الموضوعي نحو الشخصنة والتي نراها منتشرة في مواقع الإنترنت، ولذا فهذا النص والتعديل جاء معالجاً لمشكلة مزمنة ومرسياً للعدالة والمساواة بين الجميع.

ولكن لا يعني هذا كبت الأقلام وتكميم الأفواه، وإنما أكد على كوننا (مستصحبين في هذا أن اختلاف الآراء وتنوع الاجتهادات مصدر إثراء يضاف لرصيدنا العلمي، وأفقنا المعرفي على ضوء ما أرشد إليه سلفنا الصالح من اعتبار الاختلاف العلمي الرصين من سعة الشريعة ورحمتها بالأمة، وأن الرجال يُعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال)، وهذا ما يريده جميع المواطنين من عدم التحجير على العقول والاجتهادات الفقهية والاختلافات الفكرية ما دامت ضمن دائرة السائغ المشروع، وعليه فلا يسوغ إلزام الناس برأي معين سواء أكان لفرد أم جماعة ما لم يصدر به أمر ملزم من ولي الامر مقتضياً للمصلحة العامة.

وما أشار إليه الأمر الكريم النص على إدراكه (لحقيقة النقد البناء الذي لا يستهدف الأشخاص والتنقص من أقدارهم أو الإساءة إليهم تصريحاً أو تلويحاً)، مستدلاً بأن (الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تتجلى في وجدان كل مخلص صادق لا ينشد إلا الحق بدليله، ويسمو بنفسه عن كلمة السوء وتبعاتها في الدين والدنيا)، ومؤكداً على (حرية الرأي المنضبطة والمسؤولة التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام)، وأنها محل اعتباره وتقديره - أيده الله - وبناء على هذه المعايير والضوابط وما تقتضيه المصلحة العامة أمر - حفظه الله - بالتعديلات الخمسة.

وأول المواد المعدلة هي التاسعة؛ حيث أعيد ترتيب الفقرات ووضعت الفقرة الثامنة كمقدمة laquo;موجبةraquo; بالنص على أن (يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء، الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة)، ثم جاء النص على الفقرات laquo;السالبةraquo; المحظورة، حيث أضاف في الفقرة الأولى عدم مخالفة الأنظمة النافذة إضافة لأحكام الشريعة الإسلامية، والفقرة الثانية صيغت بدقة لتشمل كل (ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد..) بعد أن كانت بشرط (ألا تفضي) إليه، وهذا النص أدق وأشمل لأن ما يفضي يعتبر ضمن النتائج أو المتوقع منها، في حين أن النص الجديد يحظر مجرد الدعوة ولو لم يفضِ إليه، وجاء التعديل الكبير في الفقرة الثالثة حيث نص على عدم المساس الشخصي بسماحة المفتي العام وأعضاء هيئة كبار العلماء ورجال الدولة وموظفيها وجميع الشخصيات سواء بصفتهم الطبيعية أو الاعتبارية، ما يعني المحافظة على أعراض وسمعة جميع المواطنين بلا استثناء، والفقرتان الرابعة والخامسة على حالهما، في حين جاءت الفقرة السادسة أشمل من سابقتها حيث كانت تشترط عدم الإضرار بالوضعين الاقتصادي والصحي في البلاد، فجاءت التعديلات لتشمل كل ما يضر بالشأن العام، كما تم حذف كلمة (تفشي) في غرة الفقرة السابعة بحيث شمل الحظر كل وقائع التحقيقات والمحاكمات سوى المأذون بها من الجهة المخولة نظاماً، وهذا قد يخالف الوارد في نظام المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية الذي جعل المحاكمات علنية وتقتضي علنيتها جواز نشر الوقائع بتجرد وحياد بخلاف التحقيقات التي تقتضي السرية، ولعل اللائحة التنفيذية تعالج هذه المسألة التي قد تعني تكميم أفواه جميع وسائل الإعلام والتعبير عن التطرق لمطلق وقائع المحاكمات، مع أن الأصل هو العكس، بحيث تعتبر علنية ويجوز النشر الموضوعي المنضبط بشأنها ما لم يقرر سريتها.

والمادة السادسة والثلاثون تضمنت ثلاثة تعديلات، حيث كانت المصادرة عند الضرورة فصارت عند الاقتضاء، ولو لم يكن ضرورياً، وليس الأمر كما كان منحصرا بما يخالف الشريعة الإسلامية وإنما عام لكل المحظورات الواردة في المادة التاسعة المعدلة، وكذلك لا يحتاج هذا لقرار من اللجنة كما كان سابقاً وإنما هو للوزارة.