عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع

عشرة أيام مضت على صدور الأمر الملكي القاضي بتعديل بعض مواد نظام المطبوعات والنشر، ومنذ صدوره يوم الجمعة قبل الماضي والحديث لا يكاد يتوقف عن هذه التعديلات؛ فالبعض يرى أنها تشكل تراجعا في الحرية الصحفية، والبعض الآخر يؤكد أنه ليس هناك ما يوجب التخوف. فريق ثالث كان أشد تشدداً فقرر بعض أفراده اعتزال الكتابة الصحفية، بينما قرر البعض الآخر الكتابة عن الفنانات أو الحشرات خوفا من أن يكتب عن موضوع آخر فتناله يد الرقيب.

ردة الفعل هذه تذكّرني بما حصل عندما أعلنت وزارة الثقافة والإعلام في شهر شوال الماضي عن الموافقة على إضافة (النشر الإلكتروني) إلى الأنشطة الأخرى في نظام المطبوعات والنشر. في ذلك الوقت رأى البعض أن مجرد تدخل الوزارة في نشاط النشر الإلكتروني يعني أن هناك نية مبيتة لتكميم الأفواه وقمع حرية الكلمة. انتفض المدونون، وبعض ملاك الصحف الإلكترونية، وبعض القائمين على المنتديات وشنوا حملة شعواء على هذا الإجراء، حتى قبل أن تصدر وزارة الثقافة والإعلام لائحته التنفيذية.

السؤال الذي أطرحه اليوم هو لماذا ننظر إلى كل خطوة للتنظيم والتقنين على أنها تعني مزيدا من القيود والتعقيدات ؟ لقد مضى على إضافة نشاط النشر الإلكتروني ما يزيد على الثمانية أشهر، فهل سجلت أقلام وصفحات مستخدمي النشر الإلكتروني أي إجراءات فعلية أدت إلى تراجع صوت الكاتب، أو تجفيف قلمه ؟ أم هل أغلقت منذ ذلك التاريخ أية صحيفة أو موقع إلكتروني؟

لقد سارت الأمور بكل هدوء، وتم تسجيل المئات من الصحف الإلكترونية، وفتحت قنوات للتواصل أوسع وأشمل بين وزارة الثقافة والإعلام، ومستخدمي الإنترنت بكل أنشطته, وسيتوج هذا التواصل باللقاء الدوري الأول الذي سيعقد غدا بين معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه، ورجالات الإعلام الإلكتروني وسيداته للحديث حول آخر المستجدات في النشر الإلكتروني، بما في ذلك الأمر الملكي الأخير.

أعود مرة أخرى إلى ما بدأتُ بالحديث عنه وهو تعديل بعض مواد المطبوعات والنشر, وأشير هنا إلى ثلاث نقاط جوهرية هي:

أولا : الحرية, وهنا يجب أن لا نفهم الأمر الملكي على أنه تقييد للحرية, أو حد لمساحتها، وإنما هو دعوة للالتزام بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة, والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة بعيدا عن المساس بكرامة الأشخاص وسمعتهم, وهنا يتساوى المفتي والشخصيات العامة.

ثانيا : الغرامات, وتحديدها ب( 500 ) ألف ريال كحد أقصى لا يعني بالضرورة أنها ستصل إلى هذا الحد, وهذا ما كانت عليه الحال في ظل النظام قبل التعديل, فمع أن الغرامات كان حدها الأقصى( 50 ) ألف ريال إلا أن الكثير من القضايا لم تصل هذا الحد.

وفيما يتعلق بعقوبات الحجب أو الإغلاق, ولكونها من اشد العقوبات, فقد أوكل الأمر إقرارها لموافقة رئيس مجلس الوزراء فيما يتعلق بالصحف, ولمعالي الوزير فيما يتعلق بالصحف والمواقع الإلكترونية.

ثالثا : اللجان, وكونها تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام يؤكد على مبدأ الاختصاص, وصدور قراراتها بالأغلبية يحد من أي قناعات فردية في التأثير على القرار النهائي, كما أن اشتراط أن يكون أعضاء لجنة الاستئناف ممن أمضى 25 عاماً أو أكثر في مجال تخصصه يؤكد أن من سينظر في القضايا التي ستحال إلى هذه اللجنة هم من أهل الاختصاص المتمرسين القادرين على النظر بعمق مما يتيح إصدار أحكام نهائية عادلة.

أخيرا : دعوني أستذكرْ ما ورد في مقدمة الأمر الملكي من تأكيد على حرية الرأي المنضبطة والمسؤولة, ودعوني أيضا أؤكد على ما قاله وزير الثقافة والإعلام من أن علينا أن لا نقرأ سطراً ونترك الآخر, وكذا هي الحال مع الأمر الملكي ، والذي يجب أن يفهم, بما في ذلك مقدمته, على أنه كلّ متصل يؤكد على مبدأ حفظ الحرية (المسؤولة ) في الطرح الإعلامي بكل أنواعه.