عبدالعزيز النحاس

كم تساوي سيدة تركت زوجها وطفليها من أجل علاقة مع شخص آخر؟! وكم يساوي شاب سطر ورقة عرفية مع سيدة يعلم أنها متزوجة ولديها أبناء من أجل إقامة علاقة معها؟!.. وبغض النظر عن اختلاف أو اتفاق ديانتهما.. هل يستحق شخصان علي هذا المستوي الفكري والأخلاقي والسلوكي ان يقتل بسببهما العشرات ويصاب المئات؟!.. وهل يمكن أن تكون مثل هذه النوعية سبباً في حرق وطن بكامله؟!

الأخطر من هذا أن يكون كثير منا علي نفس هذا المستوي الفكري والأخلاقي للدرجة التي تجعلنا نندفع خلفهم للتناحر والتقاتل والتعصب مثل القطعان التي تنشأ وتعيش بقانون الغاب.. دون أي إعمال للعقل، أو حتي للأصول والعادات والتقاليد التي تربينا عليها وكانت تسود هذا المجتمع حتي وقت قريب لدرجة أن معظم الأسر والعائلات كانت تتبرأ من أبنائها الذين يقيمون هذه العلاقات، وقد يصل الأمر الي التخلص من الانثي في بعض أماكن الصعيد أو الريف علي اعتبار أنه عار لا يمحوه الا الموت، ويتحول الشاب الي شخص منبوذ يصعب زواجهن من بنات الأسر المحترمة.

الأحداث التي وقعت بسبب هذه السيدة ورفيقها، وجعلت من أرض امبابة غابة أشد جهلاً وتعصباً ودموية من غابة الحيوانات التي نراها أكثر ادراكا وحميمية لجنسها، ليست وليدة الصدفة واللحظة وليست مجرد ثورة مضادة من فلول النظام السابق حتي لو شاركوا فيها بالفعل.. وانما هي نتاج طبيعي للجهل والتعصب والفوضي التي تأصلت في هذا المجتمع وانغمس فيها الشعب لسنوات طويلة، وهي نتاج أيضا لغياب الدولة وسقوط هيبتها في الأشهر الأخيرة تحت مزاعم ومبررات وهمية، ربما يكون الاظهر منها هو تفكك جهاز الشرطة وتراجع اداؤه بقصد أو بدون قصد، وأيضا انسحاب معظم القوات المسلحة الي سكناتها، وضعف انتشارها في المدن.. أما الجانب الخفي وراء هذا الحكم الهائل من العنف والبلطجة والتسيب الذي يسود مصر بشكل منظم، وبدت فيه الدولة خانعة وغائبة ربما تجعلنا لا نستبعد نظرية المؤامرة التي شاعت مؤخراً وتقول ان الهدف من كل هذا هو صناعة ديكتاتور جديد لحكم البلد، ومن الضروري اشعال الحرائق والفزع في كل مكان حتي يجد الحاكم القادم ترحيبا من بعض فصائل الشعب التي تطلب الأمن والاستقرار، ويستند اصحاب هذه النظرية الي عدم وضع دستور جديد للبلاد بعد قيام الثورة يحدد شكل الحياة ونظام الحكم في المستقبل!

من المؤكد أن المجلس الاعلي للقوات المسلحة، والحكومة القائمة بجهازها الأمني يعلمان جيداً أن الثورة التي قامت ونبتت من ميدان التحرير، وشملت كثيراً من مدن مصر ليست لها علامة من قريب أو بعيد بكل الهمج الذين ينتشرون ويسيطرون علي بعض الأماكن، وليس لها علاقة بكل البلطجية واللصوص الذين يتهجمون علي المواطنين وأقسام الشرطة والمحاكم.. ويعلمون أكثر أن السلفيين وكل من علي شاكلتهم من المتشددين والمتعصبين في بعض المساجد والكنائس ليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بالثورة التي قامت من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.. كلنا يعلم ان الثورة لم تقم من أجل الفوضي والبلطجة والسرقة وقطع الأذن وهدم الأضرحة وحمل الأسلحة وإطلاقها من المساجد والكنائس.. ولم تقم الثورة لوقف العمل والانتاج ورفع مظالم فردية او فئوية.. ولم تقم الثورة من أجل السماح للمتطرفين وأصحاب المصالح وفلول النظام السابق بفرض سطوتهم وإحداث فوضي وتعريض الوطن بكامله للهلاك!!

المجتمع أصبح في خطر، والقائمون علي شئون الوطن في اختبار حقيقي أمام الشعب والتاريخ.. والمرحلة لم تعد تحتمل غموضاً أو طبطبة أو ألاعيب، وكل ما نحتاجه هو تنفيذ وسيادة القانون باليد الحديدية التي سمعنا عنها ولم نرها حتي الآن.