محمود الريماوي

كما أن دخول قوات من درع الجزيرة إلى البحرين بطلب من الأخيرة، هو جزء من منظومة مجلس التعاون، فإن الاهتمام الخليجي بالوضع في اليمن عبر المبادرة المعروفة بهذا الشأن، يرجع لكون اليمن (العضو المراقب) كان سائراً على طريق الانضمام إلى المجلس .

الآن يتم مبدئياً قبول دولة جديدة في المجلس هي الأردن، وكان انضمامها مطروحاً للتداول منذ نحو عشر سنوات على الأقل . ليس هناك عرض أو طلب بانضمام فوري، لكن القبول المبدئي حصل كما أوضح أمين عام مجلس التعاون عبداللطيف الزياني الثلاثاء 10 مايو/ أيار .

تربط الأردن بدول المجلس علاقات قديمة وتاريخية، تعود إلى ما قبل استقلال دول المجلس واكتشاف الثروة النفطية فيها، عن طريق العمالة الوافدة وخاصة البعثات التعليمية . وقد توطدت هذه العلاقات منذ ستينات القرن الماضي مع بدء استقلال دول المجلس، وذلك بتزويد الدول الست بكوادر إدارية مدربة ومؤهلة . وقد وقف الأردن إلى جانب دولة الكويت وزودها بخبرات عسكرية إثر تهديدات الزعيم العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم باحتلال الكويت . وقد أمكن تجاوز محنة العام 1990 إثر احتلال الجيش العراقي دولة الكويت، واتهام الأردن بالوقوف إلى جانب بغداد آنذاك .

الظروف السياسية الراهنة حكمت كما هو بادٍ التوجه الخليجي الرسمي، وذلك في ضوء التمدد الإيراني في المنطقة، والتهديدات الخارجية التي طالت المنامة، والفراغ الذي ما زال قائماً في مصر، والوضع المعلق في اليمن . وقد لوحظ أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد زار الأردن والتقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في اليوم التالي لإعلان قبول طلب الانضمام، ما يدلل على جدية التوجه الذي شرع بتنفيذه دبلوماسياً عبر الاتصالات مع وزارة الخارجية الأردنية .

وبينما لقي هذا التوجه ترحيباً واسعاً في الشارع الأردني إلى جانب أصوات قليلة معارضة تذهب بعيداً في تأويلاتها السياسية، فإن الشارع الخليجي يبدو منقسماً حتى الآن إزاء هذه الخطوة، مع ميل الكفة لمصلحة معارضة الخطوة . وتتركز المعارضة على وأساس أن هناك أعباء اقتصادية سوف يتحملها المجلس في حال انضمام الأردن وذلك بالنظر إلى العجز المزمن في الميزانية وارتفاع نسبة البطالة والفقر . وهناك من ضرب مثالاً بالاتحاد الأوروبي الذي يتحمل أعباء الأزمة اليونانية ويتباطأ في قبول انضمام تركيا إليه . علماً أن مجلس التعاون سبق أن قدم دعماً مالياً لكلٍ من مملكة البحرين وسلطنة عمان في مطالع العام الجاري .

ولا شك في أن الأمد غير القصير كما هو متوقع والذي سوف يستغرقه الانضمام الكامل للأردن إلى مجلس التعاون، سوف يسهم في بلورة النقاشات الشعبية وفي أجواء هادئة نحو رؤى مشتركة، فانضمام عضو جديد إلى المجلس لا يعني بالضرورة تقديم دعم مالي فوري، أو حتى دعم لاحق قريب الأجل له، فالبحرين وعُمان لم تتمتعا بهذا الدعم ( المعلن على الأقل) منذ ثلاثين عاماً هو تاريخ نشوء المجلس، وقد نالته كل منهما مؤخراً فقط رغم أنهما دولتان مؤسستان في هذه الكتلة . علماً أن غايات المجلس ليست ذات طبيعة اقتصادية محضة، وعليه فإن المعيار الاقتصادي ليس وحده هو الفيصل والمحك، وإلا لكان المجلس نشأ كتكتل اقتصادي إقليمي منذ البداية . . مع غض النظر عن الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، وترك هذه الاعتبارات لتقديرات وخيارات الدول الست، كما كان الحال عليه قبل نشوء المجلس .

وحتى الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، فإنها تبقى وينبغي أن تبقى محكومة بالتوافق الرسمي والشعبي، الخليجي والأردني . معاهدة السلام الأردنية ldquo;الإسرائيليةrdquo; مثلاً، يتعين ألا تلقي بأي تبعات على دول المجلس مع انضمام الأردن إلى هذه الكتلة التي لا تقيم دولها علاقات مع ldquo;تل أبيبrdquo; والعلاقات السابقة والمحدودة تقلصت ويكاد ينتفي وجودها . الحياة الحزبية والبرلمانية والحريات الاعلامية النسبية في الأردن، ينبغي ألا تُمس، وألا تجري إعادة نظر بها إلا في اتجاه تطويرها وتوسيع نطاقها وحتى دسترتها، باسم التكيف مع الوضع الجديد، خاصة أن هناك لجنة وطنية تعكف على النظر في تعديلات على الدستور .

الأصل أن يستلهم كلٌ من الأطراف أفضل ما لدى الآخرين كنموذج قابل للاقتداء وكطموح واقعي بدليل نجاحه عند الآخرين، لا أن يكون هناك تخفيض لمستوى التطور العام، أو للخيارات السياسية الأساسية لغايات التكيف . هذا ما ينبغي أن يكون مدار النقاش الشعبي العام، لا أن يتم النظر إلى إجراء كهذا على أنه تكليف للآخرين بحل مشكلات اقتصادية متراكمة، أو التطير من انضمان فقراء إلى نادي أغنياء، فمعايير الفقر والغنى مرنة، ويتعلق بعضها بالثروات البشرية ومستوى الخدمات الأساسية في الطب والتعليم مثلاً، وحيوية الوضع السياسي وفرص الاستثمار المستقبلية وسوى ذلك .

مع العلم أن الهدف المرسوم والمتوخى ليس إقامة وحدة فهذا الهدف غير قائم حتى تاريخه بين الدول المؤسسة لمجلس التعاون، وبعد مضي ثلاثة عقود على إنشاء المجلس . الغاية من الانضمام المبدئي والتدريجي للأردن، هي رفع وتيرة التعاون ووضعه ضمن أفق استراتيجي وزيادة مناعة جميع الأطراف، وخاصة مع انكشاف الهيكل الخاوي للجامعة العربية، التي لو كان وضعها غير ما هو عليه، لربما ما كانت هناك حاجة حتى لإنشاء مجلس التعاون .