فايز رشيد
الثورة المصرية تسير في الاتجاه الصحيح، بإعادة مصر إلى موقعها العربي السابق في زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر . صحيح أن هذه الخطوات تأتي دون استعجال، لكنها مدروسة بعناية، وتصب في مجرى النضال الوطني التحرري القومي العربي، في تلاحم واضح بين الخصوصيات الوطنية والعام القومي .
طيلة أربع سنوات في زمن الرئيس السابق، راوحت مباحثات حركتي حماس وفتح من أجل المصالحة في مكانها ولم تنجح . عوامل كثيرة أدّت إلى الفشل، لكن في أحد الأسباب تعود إلى أن مصر آنذاك أخذت في حساباتها السياسية حول هذا الموضوع، العاملين ldquo;الإسرائيليrdquo; والأمريكي في عين الاعتبار . مؤخراً عبّرت الدولة الصهيونية عن إنزعاجها الشديد من المصالحة الفلسطينية، إلى الحد الذي خيّر فيه الفاشي نتنياهو، الرئيس الفلسطيني بين خياري السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo; (وكأن الدولة الصهيونية تطرح سلاماً!) أو المصالحة مع حماس . من جانب آخر قامت ldquo;إسرائيلrdquo; بتجميد أموال الضرائب الفلسطينية .
الولايات المتحدة تعاملت مع المصالحة بفتور شديد، وأدلى متحدث رسمي باسمها بتصريح قال فيه: إن الموقف الأمريكي من موضوع المصالحة، مرتبط بما تقدمه مستقبلاً لعملية السلام . بالطبع فإن احتمال وقف المساعدات الأمريكية والأوروبية للسلطة على ضوء المصالحة، هو موضوع أكثر من وارد .
رغم كل ما يحيط بموضوع الاتفاق الفلسطيني-الفلسطيني من ظروف، استمرت مصر في العهد الجديد بدورها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين الفلسطينيين، وفي زمن قياسي، استطاعت تحقيق هذه المهمة التي بدت شائكة ومعقدة وصعبة التحقيق، وهذا يُحسب لمصر قيادة جديدة، كإنجاز وطني عربي تقدمي، فالموضوع الفلسطيني برمته عاد إلى احتلال موقع ريادي بالنسبة لجمهورية مصر العربية .
من المنجزات أيضاً، ما أعلنه المسؤولون المصريون وبخاصة وزير الخارجية نبيل العربي من أن المعبر مع قطاع غزة، سيتم فتحه قريباً، لتخفيف معاناة أهلنا في القطاع، الذين يعانون ظروف الحصار الصهيوني للعام الرابع على التوالي . كلنا يذكر المناشدات الشعبية وبعض الرسمية للنظام السابق من أجل فتح معبر رفح، ولكن ظل المعبر مقفلاً إلا أمام حركة التنقل بين جانبيه، وفي أحيان كثيرة كان العابرون الفلسطينيون في كلا الاتجاهين، ينتظرون أياماً كثيرة، لأجل العبور، من بينهم النساء والأطفال والشيوخ والطلاب والمرضى . يُسجّل للثورة المصرية النية الواضحة لإبقاء سلام فاتر (حتى هذه اللحظة) مع ldquo;إسرائيلrdquo;، ومثلما تقول الأنباء: تدرس الحكومة المصرية حالياً إعادة النظر في اتفاقية توريد الغاز المصري للكيان، مع إمكانية محاكمة من قام بالتوقيع عليها، فقد استوردت الدولة الصهيونية هذا الغاز بأسعار تفضيلية (أرخص من السعر العالمي) لسنوات، هذا إلى جانب ما جناه بعض السماسرة المصريين من مئات الملايين كعمولة على هذه الاتفاقية، التي جاءت في مصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; جملة وتفصيلاً .
إن أصواتاً شعبية ورسمية مصرية كثيرة تنادي علناً بإلغاء اتفاقية كمب ديفيد مع ldquo;إسرائيلrdquo;، هذه إن تمّت فستعيد الصراع العربي-الصهيوني إلى مربعه الأول، وستؤثر ربما على إمكانية إلغاء الاتفاقيات الفلسطينية والعربية الأخرى مع ldquo;إسرائيلrdquo;، بكل ما يعينه ذلك من عودة حقيقية مصرية إلى الصف العربي، وقيادة النضال الوطني القومي العربي في مواجهة الدولة الصهيونية، ومجابهة المخططات الأمريكية، لبناء الشرق الأوسط الجديد وفقاً للتصورات الأمريكية والصهيونية .
كل هذه الخطوات، المنجزات، لم تكن بمعزل عن التغييرات الداخلية في مصر، إن بتثبيت الأسس الديمقراطية، أو في محاكمة الفاسدين في النظام السابق .
لقد تميزت الخطوات الديمقراطية بمشاركة شعبية واسعة في الاستفتاء الجماهيري على التعديلات الدستورية، وفي تحديد انتخابات رئاسية وتشريعية قريبة، وفي قانون جديد للأحزاب، يسمح لكافة الأحزاب، العمل وسط الجماهير الشعبية، بعد أن كان العديد منها، ممنوعاً .
ولعل من أبرز الإيجابيات للثورة: إعادة الاستقلالية للقضاء المصري، المعروف تاريخياً بنزاهته الشديدة والتي تأثرت سلباً في عهدي السادات ومبارك، فكان يجري تعطيل الأحكام القضائية لأسباب سياسية، ولعل أبرز مثال على ذلك تعطيل الحكم القضائي المصري بوقف تصدير الغاز لrdquo;إسرائيلrdquo;، والذي لم ينفذ بقرار من الرئيس مبارك .
بالطبع، أكثر المنزعجين من هذه المنجزات هو العدو الصهيوني، الذي يعيش قلقاً كبيراً، بل رعباً مما يجري في مصر، الولايات المتحدة هي الأخرى ليست أقّل انزعاجاً من ldquo;إسرائيلrdquo; . الثابت الوحيد في الثورة المصرية: إن إنجازاتها متواصلة وسائرة إلى الأمام، ولن يستطيع أحد وقفها .
التعليقات