أمجد عرار

الثورات والعواصف الساخنة تهب في العالم العربي، ولبنان وطن الأجواء العاصفة يعاني ركوداً ربما يسبق العاصفة . أنظمة تبدّلت وأخرى على الطريق، ولبنان بلا حكومة رغم مرور أربعة أشهر على إسقاط حكومة سعد الحريري . أقطاب العمل السياسي في هذا البلد الذي اعتاد حراكاً سياسياً وإعلامياً يكفي لإدارة الصين وأجزاء من الهند، يكثرون من الحديث عن تدوير الزوايا وحل العقد والجوجلة، كلها في إطار فريق سياسي واحد يفترض أن قواسم مشتركة واسعة تجمع بين أطرافه مقابل هوامش الاختلاف . كيف إذاً، لو كانت مشاورات التأليف تتعاطى مع فريقين بدا في الأشهر الأخيرة تحديداً أنه لم يعد يجمعهما أي مشترك سوى شهر ldquo;آذارrdquo;؟

مقربون من رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي يقولون إن المشاورات شاقّة، ومن الصعب تحديد متى ستبصر الحكومة الجديدة النور، وبعد مرور أربعة أشهر على التكليف يتحدّثون عن ldquo;إحراز بعض التقدمrdquo;، فكم سيمر من شهور حتى يتم إحراز معظم التقدّم، وكم سيحتاج ldquo;كل التقدّمrdquo;؟

وليد جنبلاط قرع الجرس وصبّ جام غضبه على حلفائه الجدد، باعتبار أن لا مبرر لهذا التأخير ما دام فريق المعارضة (سعد الحريري وحلفاؤه) آثر عدم المشاركة، وانحصر التشكيل في فريق واحد . نعرف حساسيات بعض الحقائب الوزارية بالنظر إلى بعض الملفات الحاسمة والمصيرية، والتهديدات ldquo;الإسرائيليةrdquo; المتوثّبة على الحدود الجنوبية، وندرك حسابات الوضع الداخلي والمخاوف من نزعات انتقامية ترافق عادة التبدّلات في هرم السلطة وما يرافقها من تبدّلات في المبنى الأمني والاقتصادي، وما أدراك ما يعني ldquo;الاقتصاديrdquo; . لكن هذا الوضع ليس مستجداً في لبنان، ومن غير الممكن أن يستمر هذا الدوران في المكان، فيما البلد كل شيء فيه يهبط باستثناء الأسعار . ويكثر اللغط وتشطح التحليلات، علماً أن أولئك الذين اعتبروا ميقاتي ldquo;ألعوبةrdquo; لفريق واحد متنفّذ يقود ldquo;توابعrdquo; في المعارضة، يجب أن يعيدوا النظر في ما ذهبوا إليه من باب التحريض والغضب من فقدان الحكومة، فلو كان كلامهم صحيحاً لشكّلت الحكومة في يومين بأوامر من الطرف المسيطر . البعض يقولون إن دمشق مازالت هي اللاعب الأساسي في لبنان، وهي مشغولة بأوضاعها الداخلية، فهل من المعقول أن ينتظر اللبنانيون الهدوء في سوريا كي يشكّلوا حكومتهم، ليظهروا للعالم أنهم غير قادرين على إدارة بلد صغير؟ لا نريد أن نتبنى رأياً أو ادعاء يقول إن مشكلة التشكيل أقل وطأة من مشكلات ما بعد التشكيل، بالنظر إلى ملفات من نوع المحكمة الدولية والسلاح . لكن ليس هكذا تدار الأمور في الدول، بل إن الطبيعي أن تبقى المؤسسات قائمة وفاعلة ليكون البلد قادراً على مواجهة مشكلاته، لا تأجيلها .

لا يجوز أن يستمر لبنان في غيبوبة سياسية في حين تشكو وزارة المالية من أنها قد تعجز عن تسديد رواتب الموظفين في الفترة المقبلة، وحيث تنتظر الموازنة مصادقة مجلس نواب لا يجتمع .

نجزم أن لبنان مقبل على تهديدات خارجية أكبر من مشكلاته الداخلية، ومن هنا فإن على كل قواه السياسية الحقيقية، سواء من سيشارك منها في الحكومة أو من يقاطع، أن يختلفوا كما يشاؤون، ولكن على قاعدة الاختلاف تحت خيمة واحدة، لأنها فقط منبع المناعة الداخلية أمام التهديدات الخارجية .