محمد صالح المسفر

يجتاح دول مجلس التعاون الخليجي حالة توتر سياسي وقلق امني منقطع النظير نظرا للظروف السياسية التي تجتاح معظم العواصم العربية منذ مطلع هذا العام الامر الذي ادى ببعض قادتها الى التخبط في اتخاذ قرارات ومبادرات سياسية متناقضة وغير مجدية، فالمبادرة الخليجية على سبيل المثال لحل الاشكال المتصاعد في اليمن بين الشعب والحكومة لم تجد قبولا حتى من الرئيس الذي حاولت المبادرة اضفاء الشرعية على نظامه بعد ان سقطت شرعيته بخروج الشعب عن طاعته.
هنا كان واضح الارتجال وعدم معرفة الواقع اليمني وعلى ذلك فشلت تلك المبادرة رغم تعديلاتها المتناقضة ايضا، وهذا يدلل على ان مجلس التعاون بلا استراتيجية لمواجهة المتغيرات المحيطة به او قضاياه الداخلية، سألت مسؤولا خليجيا عندما كنت في زيارة لدولة خليجية ما هي البدائل عندكم لو رفضت مبادراتكم بشأن اليمن كان رده 'لكل حادث حديث' اي انها بلا بدائل وهذا فشل سياسي غير مبرر.
الامر الثاني دعوة كل من المغرب والاردن للانضمام الى 'منظومة مجلس التعاون الخليجي' قد اتفهم موضوع واهمية انضمام الاردن لمجلس التعاون فهناك حدود مشتركة، وقبائل عربية متداخلة، والدوائر الامنية الاردنية كانت هي المنظم والمدرب والمشرف على اعداد المؤسسات الامنية في معظم دول المجلس، لكن فات المقترحين لدعوة الاردن ان فيه دستورا واحزابا ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وبرلمانا منتخبا، صحيح ان النظام يستطيع تزوير الانتخابات ويأتي بمن يريد للبرلمان ويشكل الحكومة التي يختار رئيسها بعناية وغالبا ما يكون من جهاز المخابرات، لكن هناك مطالب شعبية ونخبوية متصاعدة تطالب بمملكة دستورية في الوقت الذي تنعدم هذه المؤسسات في دول المجلس الا في البحرين والكويت وامرهما غير محتمل لا في داخل هذه الدول ولا في بعض الدول الخليجية، والمطالبة بمملكات او امارات دستورية يعتبر هذا المطلب من الخطوط الحمراء سيتعرض من يطرحها للرأي العام للمساءلة والملاحقة.
صحيح ان الاردن يمر بازمات اقتصادية ويعتقد ان حل ازمته تلك تكمن في انتسابه 'لنادي الاغنياء' مجلس التعاون، وانه معرض لازمات سياسية تتعلق بالشأن الفلسطيني ايا كانت الحلول ويرى ان مجاله الحيوي للتعويض هو الخليج وخاصة السعودية .
قبل كل شيء فاني من دعاة توسيع عضوية مجلس التعاون وقد تناولت ذلك المشروع في دراسة نشرت عام 1998، وكانت اولويتي في ذلك الزمان انضمام كل من العراق واليمن، ثم مصر وسورية والاردن، واليوم فاني ارحب بانضمام الاردن ولكني لا اسقط حق اليمن والعراق عندما يتغير نظاماهما الاولى بسقوط نظام صالح والثاني (العراق) بتحرره من الاحتلالين. لكن في الوقت الراهن لماذا لا تشرع دول مجلس التعاون قانونا يعطي الاولوية للعمالة الاردنية بكل كوادرها، وتسمح هذه الدول بحرية حركة هذه العمالة بين دول المجلس، وكذلك اليمن عند استرداد عافيته.
لماذا لا تشرع دول المجلس اعطاء الدول العربية حصصا في منح بعض المقيمين الجنسية الخليجية بمعدلات سنوية لتضمن الامن والاستقرار وتعديل التركيبة السكانية لصالح دول المجلس وهذه الحصص معمول بها في دول العالم.
ومع الاسف فان الدول الخليجية تطمئن على استثماراتها في بعض الدول العربية ولكنها لا تطمئن على استخدام اليد العاملة من تلك الدول في دول المجلس وهذا عيب مخل .
الامر الثالث: لم افهم دعوة المملكة المغربية للانضمام الى عضوية المجلس فكلنا نعرف ان المجال الحيوي للمملكة المغربية هو المغرب العربي، وتطلعاته نحو اوروبا، ونعرف ان في المغرب حراكا سياسيا نشطا لا تتحمل عدواه (المحببة لنا) معظم حكومات الخليج، وان العمالة المغربية لا تتحمل الثقافة الاجتماعية عندنا ولا تتحمل طبائعنا وكذلك المناخ، نعرف ان بعض حكام الخليج اعتادوا ادارة دولهم من الاراضي المغربية بمعنى انهم اعتبروا المغرب العاصمة الثانية لدولهم واصدر بعضهم من المغرب مراسيم سيادية ابان اقامتهم هناك لكن تلك المراسيم السيادية قوبلت بالرفض قانونيا لان المراسيم السيادية يجب ان تصدر من عاصمة الدولة الامر الذي ادى الى تجميد تلك المراسيم.
يجمع المراقبون على ان هذه الخطوة الخليجية هي خطوة تحسبا لقادم الايام التي يمكن ان يحل بالمنطقة ما يحل باليمن وسورية اليوم لا سمح الله. فهي خطوة استباقية امنية لبقاء النظم على ماهي علية اليوم بالاستعانة بقوى من المغرب والاردن.
والرأي عندي ان ضمان امن الخليج وبقاء دوله هو الالتفات الى الداخل واجراء اصلاحات فورية على كل الصعد، والقضاء على الفساد والاستبداد والاحتكار واعتماد نظام الحصص السنوية في منح جنسية دول الخليج للعرب من ذوي الكفاءات والمهارات، كل هذا هو الضامن لامن الخليج العربي وليس كتائب 'بلاك ووتر' سيئة الصيت او استئجار جيوش من الخارج كل ذلك يجب ان يتم قبل ان تهب علينا اعاصير الصيف فهي محرقة.