جاسم بونوفل
مع اقتراب موعد رفع حالة السلامة الوطنية، بدأ الشارع البحريني يتحدث عن استشراف مستقبل الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي للبحرين في المرحلة القادمة، وفي هذا السياق بدأ المواطنون يتساءلون عن شكل ملامح المرحلة السياسية القادمة لهذا البلد وكيف سيكون عليه الوضع في الأيام المقبلة. لا شك أن إفرازات الأزمة التي تعرضت لها البحرين خلال الشهور الماضية ستلقي بظلالها على المشهد السياسي المحلي في الفترة القادمة خصوصاً أن هذه الإفرازات لاتزال تعمل عملها في الساحة السياسية المحلية، وأن إرهاصاتها بدأت تؤثر في المشهد السياسي البحريني ومن أبرز المسائل التي أفرزتها الأزمة هي تلك المتعلقة بارتباط إيران بالجماعات السياسية المتطرفة التي قادت الحركة الانقلابية في البحرين. فدور إيران في أحداث البحرين الأخيرة بات مكشوفاً وواضحاً ولا يحتاج إلى برهان أو دليل فالجماعات السياسية التي تتقاطع معها أيديولوجياً، هي أول من فضح تورطها في أحداث البحرين الأخيرة، فإعلان قادة الحركة الانقلابية المتمركزين في دوار مجلس التعاون عن قيام ''جمهورية البحرين الإسلامية'' لم يأت من فراغ إضافة إلى أن استنجاد علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق بالأم الرؤوم (إيران) عشية وصول قوات درع الجزيرة إلى البحرين خير شاهد على الارتباط العضوي بين هذه الجماعات وملالي إيران. من زاوية أخرى، فإن ردود فعل إيران الغاضبة بعد كشف سلطات البحرين للمؤامرة وفضحها أمام الرأي العام، وتقديمها للأدلة التي تثبت تورط إيران في تلك الأحداث كان دليلاً آخر على تورطها وإلا بماذا نفسر ارتفاع نبرتها المعادية تجاه البحرين ودول مجلس التعاون في مفردات خطابها السياسي والإعلامي عبر قنواتها الفضائية وتلك التي تدور في فلكها. أعتقد أن هذه كلها مؤشرات تدين إيران وتؤيد بما لا يدع مجالاً للشك أن لإيران دور ودور كبير في المؤامرة التي استهدفت قلب نظام الحكم في البحرين. السؤال المهم الآن؛ كيف ستتعامل الدولة مع إيران في مرحلة ما بعد الأزمة؟ أعتقد أن التعامل مع إيران بعد الأزمة وتداعياتها يجب أن يتغير، إذ ليس من المقبول إطلاقاً أن تكون العلاقات البحرينية -الإيرانية كسابق عهدها؛ لأن ذلك لا ينسجم مع المتغيرات الداخلية التي خلقت واقعاً جديداً على الأرض لا نشك أنها ستؤثر في المشهد السياسي المحلي، من هنا نقول إنه كما نجحت الدولة في إعادة الأمن والأمان إلى ربوع البحرين بفضل رجالات قواتها المسلحة الباسلة والأمن العام والحرس الوطني وبدعم الأشقاء في دول مجلس التعاون فإنها قادرة على إعادة النظر في موقفها من إيران ولكن ذلك يتطلب منها أن تكون أكثر حذراً ووعياً في كل خطوة تخطوها في علاقاتها مع إيران. فدعم إيران للجماعات السياسية التي قادت الحركة الانقلابية التي تتقاطع معها أيديولوجياً وسياسياً. يجب أن لا تمر من دون مراجعة ومحاسبة لملف العلاقات البحرينية - الإيرانية وملف العلاقات الخليجية - الإيرانية، ولذلك فإن الدولة مطالبة اليوم أن تنطلق في تعاملها مع طهران من هذه الزاوية، فهؤلاء يمارسون ''التقية السياسية مع دول الخليج العربية ففي الوقت الذي يتحدثون في اجتماعاتهم الدبلوماسية مع المسؤولين الخليجيين بلغة ظاهرها أنهم يريدون مد جسور التعاون مع دول الخليج في جميع المجالات، ويزعمون أنهم يتطلعون إلى أن يرتقي هذا التعاون إلى أبعد الحدود إلا أنهم في الباطن يعملون مع أذنابهم من وراء الكواليس على تقويض الأمن والاستقرار في هذه الدول ويسعون إلى إيقاظ خلاياهم النائمة لتنهض من جديد وتعمل على تحقيق أحلامهم التوسعية وقد كشفت أحداث البحرين الأخيرة نوايا إيران الحقيقة. أعتقد أن أي خطوة تخطوها الدولة باتجاه إيران، يجب أن تأخذ في اعتبارها أن حكام إيران الحاليين فقدوا مصداقيتهم وأنهم ليسوا محل ثقة ونتيجة لذلك فإن التعامل معهم يجب أن يكون بوعي وحذر شديدين وعليها أيضاً -أي الدولة- أن توصل رسالة لإيران مفادها أن البحرين ليست لقمة سائغة وليس من السهل ابتلاعها وأن المكونات الأخرى من شعب البحرين ترفض الوصاية الإيرانية ولا تريد استنساخ تجربة ''ولاية الفقيه'' في أراضيها. ومن هنا على الإيرانيين أن يفهموا هذه الرسالة ويستوعبوا ما جاء فيها وأن يقلعوا عن التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين وغيرها من دول الخليج إذا ما أردوا علاقات طبيعية مع البحرين ودول الخليج العربية. السؤال الأخير الذي لابد من طرحه الآن؛ هل تستجيب إيران لهذه الرسالة؟ أنا شخصياً أشك في ذلك
التعليقات