تركي عبدالله السديري

مشكلة بعض مَنْ يكتبون عن أوضاع اليمن الراهنة أنهم يربطونها بطبيعة الأوضاع العربية الراهنة، والتي هي خلافات بين أكثرية سكانية وبين حاكم.. حاكم وليس نظام حكم.. بين سلطة فردية وعموم شعب، ثم تلحق الرئاسة بمَنْ مارسوا تجاوزات أسهمت في تراجع قدرات مَنْ احتضنوا الخلاف منسوباً إليهم.. وضع اليمن مختلف تماماً.. هو خلاف.. فعلاً.. ودموي أيضاً.. لكنه خلاف قبائل تقف مع الرئيس وأخرى تقف ضدهم.. هنا نحن أمام مخاطر هائلة بل ومرعبة إذا ما استمر التوزّع في اليمن..

اليمن الذي مارس انحدارات طريفة في تاريخه.. فهو مثلاً كان في العصر الجاهلي موقع استقرار عربي فريد في اختلافه عن غيره.. ثم إذا تابعنا تاريخه سنجد أن العصر الملكي الذي سبق الانقلاب الجمهوري لم تكن فيه سلطة الرجل الأول تمتد إلى جميع مناطق اليمن، وإنما كان هناك مَنْ هم رهائن يقيمون في صنعاء ممثلين لقبائل عديدة، وإذا ما حصل إخلال من قبيلة ما فإن الرهينة هو المسؤول أمام الحاكم..

بعد الثورة استمر هذا الوضع ثم انقطع مؤخراً في عصر الرئيس علي عبدالله صالح.. لكن في كل الأحوال تظل القبائل - بغض النظر عن اسم مَنْ يحكم - هي المحرك الأول والمؤثر الأول فيما إذا كان اليمن سيوحّد كلمته أو سيضاعف خلافاته..

لو تأملنا طبيعة الأوضاع هنا لوجدنا أنها في منتهى الصعوبة، ولن يأتي الحل لها بذات الأساليب أو الوسائل التي تنفذ في الدول العربية، ولكن لابد من الوصول إلى قناعة صعبة تجمع القبائل من الطرفين نحو التفاهم لحل شامل..

إن من مظاهر قوة الإعاقة التطويرية في اليمن هو أنه على مدى سنوات طويلة، تتجاوز دون شك نصف القرن، وهي مازالت تهدد بالتوزّع القبلي وترفض أن يذوب هذا التوزّع في وحدة مواطنة اجتماعية يكون فيها الانتماء للمجتمع الموحد ثم تأتي بعده الدولة..