سمير الحجاوي

منذ السابع عشر من شهر ديسمبر من العام الماضي والثورات تجتاح الوطن العربي وتنتقل من بلد إلى بلد، أي أن نصف عام قد انقضى تقريبا منذ أن أحرق الشهيد محمد البوعزيزي نفسه في تونس، مطلقا الشرارة الأولى لثورة أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي خلال 28 يوما فقط، وأصبح يحمل لقب quot;الرئيس الهاربquot;، تلاه الرئيس المصري quot;المزمنquot; محمد حسني مبارك الذي أطاح به الشعب المصري خلال 18 يوما، كاسرا بذلك الرقم القياسي لزين العابدين.
الثورات العربية الممتدة اصطدمت بعد ذلك بجدار النار الذي أشعله الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس اليمني علي صالح والرئيس السوري بشار الأسد، وتحولت الثورة في ليبيا إلى حرب بين عصابات القذافي التي يطلق عليها الكتائب الأمنية وبين بقية الشعب، فقتل حتى هذه الساعة أكثر من 10 آلاف ليبي ودمر المدن وأهلك الحرث والنسل، وقصف المنشآت النفطية وخرب البلاد إلى الدرجة التي يقدر فيها الخبراء أن كلفة إعادة البناء تحتاج إلى ما يقرب من نصف تريليون دولار quot;500 مليار دولارquot;.
وعلى شاكلته الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يرفضه الشعب ويخرج الملايين إلى الشوارع والميادين والساحات للمطالبة برحيله، فيرد عليهم بالرصاص والقتل وسفك الدماء وقصف الطائرات الحربية المقاتلة، ويسلم مدينة زنجبار إلى مسلحين يزعم أنهم من أنصار تنظيم القاعدة، ويهدد بإشعال حرب أهلية، ويقصف بالصورايخ منزل الشيخ صادق الأحمر، شيخ قبيلة حاشد، ليشعل فتيل الحرب التي يريدها لتبرير بقائه في السلطة، إلا أن حكمة الشيخ الأحمر تفوقت على خداع علي صالح ومراوغاته وكذبه، وفوت عليه فرصة إشعال حرب أهلية، رغم إهانة الكرامة القبلية للأحمر وعائلته، بارتكابه quot;للعيب الأسودquot; الكفيل بإشعال نار وقودها العباد والبلاد، لكن الشيخ الأحمر توعد بإخراج صالح من اليمن quot;حافي القدمينquot;.
وعلى غرار القذافي وصالح يتصرف الرئيس السوري بشار الأسد، وريث أبيه الذي ورثه البلاد والعباد في سوريا، وتقصف دباباته درعا وحمص ودوما وبانياس وتل كلخ، ويريق الدماء في كل المدن السورية التي يحاصرها بكتائبه وشبيحته ويطلق النار على الجميع ويقتل الأطفال مثل حمزة وهاجر، ويخطف المثقفين ويهدد الصحفيين والإعلاميين، ويحول المدارس إلى سجون، ويقطع أوصال المدن بالحواجز الأمنية.
الثلاثي الدموي، القذافي وصالح والأسد، سيقدمون إلى محكمة الجنايات الدولية لا محالة، فهم سفكوا من الدماء ما يكفي لإدانتهم، كما حدث مع الصربي سلوبودان ملوسوفيش وأركان حكمه من القتلة، مهما طال الزمن ومهما أوغلوا في الدماء، فالشعوب ستهزم جلاديها مهما بلغت التكاليف من الدم، فالشعوب العربية في ليبيا واليمن وسوريا ستنتصر، وستنال الحرية التي تريدها، وستتخلص من ربقة الاستبداد والتسلط والظلم، كما حدث في تونس ومصر، وستقدم هؤلاء الجلادين للمحاكمة العادلة لكي يدفعوا ثمن ما اقترفوه من جرائم، وما سفكوا من دم.
عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء وهؤلاء المتسلطون لن يبقوا في السلطة رغم أنف الشعوب التي ترفضهم وتلفظهم، وبالتالي سيرحلون.. إنه زمن الثورات العربية الكبيرة، وزمن البذل والعطاء والشجاعة والإقدام والجرأة وكسر الخوف وإسقاط جدران النار.. إنه زمن إسقاط الطغاة، كل الطغاة، وقد أثبت التاريخ أن الطغاة جبناء مهما تسلحوا وتظاهروا بالقوة.