خضير بوقايلة
كل الدلائل عن ليبيا تشير إلى أن ساعات القذافي باتت محدودة ومعدودة ونسائم الحرية ستهب قريبا على شعب ليبيا المنهك والمقهور. المتفائلون كانوا يتوقعون أن لا تكون زيارة رئيس جنوب إفريقيا يوم الاثنين إلى طرابلس للوساطة أو لبحث حل للأزمة مع القذافي، بل كانوا ينتظرون أن تكون أكثر من ذلك، أن تغادر طائرة جاكوب زوما تحت جنح الظلام ثم يذاع أن العقيد وعائلته كانوا على متنها إلى مثواهم الآخر. ثم أعلن بيان لمكتب الرئيس زوما أمس أن العقيد القذافي لا يمانع في حل سياسي للأزمة المدمرة في بلده، لكنه لا يبدو مستعدا للرحيل. هل ينوي الموت منتحرا أم لعله ينتظر نصرا مبينا يحققه ضد شعبه وضد قوات الناتو؟
المعارضة وكبار العالم مجتمعين حاسمون في أن مستقبل ليبيا لن يكون فيه أي مكان للقذافي وزبانيته، إن شاء فليرحل أو عليه أن ينتظر الهزيمة تدق عليه سقف مخبئه. الرئيس أوباما أكد العزم على إتمام المهمة وأمين عام حلف الناتو قال إن نهاية القذافي صارت وشيكة ورئيس فرنسا أقصى من خياراته أي تفاوض مع القذافي مستقبلا، فقد ضيع عليه فرصا سانحة، والمعارضة والثوار من جهتهم مصممون على مواصلة المقاومة حتى اختفاء القذافي وعياله من الساحة الليبية تماما. مصير الطاغية لا شك فيه إذن، وعودته إلى الساحة زعيما أو حتى بقاؤه في ليبيا آمنا يبقى ضربا من الخيال الأسود.
قبل حوالي ثماني سنوات وفي غمرة الحديث عن تفاصيل القبض على صدام حسين تلقى العقيد القذافي عبر ولي عهده تهديدا في صيغة نصيحة تدعوه فيها إلى وضع حد لمكابرته لأمريكا والقوى الغربية بصفة عامة وإلا فإن مصيره لن يكون مختلفا عن مصير صدام. الاستجابة لم تتأخر كثيرا والكل يعرف تفاصيلها بدءا من التنازل عن الترسانة النووية الليبية والتصالح مع بوش وانتهاء باتفاقيات الصداقة وعقود الاستثمار العاجلة والآجلة مع الغرب الظالم. ماذا تغير حتى صار القذافي الآن لا يخشى الموت أو السجن؟ لعل الفرق بين عرض 2004 و2011 هو أن القذافي لن يغادر منصبه في الأول، بينما رحيله شرط في الثاني، الأمر الذي جعل قبوله بالرحيل أمرا صعبا. قد لا يفهم الأناس العاديون كيف يرفض العقيد عرضا يبقيه على قيد الحياة ويتمسك بخيار لا شيء فيه مضمونا، ليس في هذا أي نوع من البطولة لكن لمعمر القذافي فهما آخر للحياة والموت، فالبقاء خارج الحكم هو الموت بعينه وهو لا يريد أن يختار ساعة تلاشيه. وقد سبق له أن قال هو وابنه إنهما لن يرحلا قبل أن يحيلا البلد أثرا بعد عين، ليس إلى هذا الحد لكن سيحاولان.
يمكن لليبيا الآن أن تتجنب كثيرا من المصائب التي أصر القذافي على إدخالها فيها، والذين يمكنهم إنقاذ ما تبقى من ليبيا وحقن دماء الأبرياء هم رجال القذافي الذين يضمنون له مزيدا من فرص البقاء. هؤلاء ليسوا بالضرورة من العسكر، بل كثير منهم مدنيون متفرقون في بعض الهياكل الإدارية القائمة ووسائل الإعلام واللجان الثورية. الانشقاقات عن صفوف القذافي لم تتوقف منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية، ولو أتيحت للناس حرية الاختيار بين الاستمرار في خدمة القذافي أو الاصطفاف مع الشعب لما بقيت إلا شرذمة قليلون. الذين لا يزالون يزاولون مهمة الدفاع عن نظام القذافي إنما يفعلون ذلك إما خوفا على حياتهم وحياة عائلاتهم أو طمعا في جمع مزيد من المال، ومخطئ من يعتقد لحظة واحدة أن هناك من المدافعين عن القذافي من لا يزال يؤمن بعقيدة هذا الظالم أو بكتابه الأخضر وشرعية حكمه.
إنها الفرصة الأخيرة للمطبلين والدجالين وكل الذين يستعملهم السفاح في عمليات قتل واغتصاب وتعذيب بنات وأبناء ليبيا أن يتوقفوا لحظة ويفكروا في الفظائع التي يرتكبونها من أجل إشباع نزوات شخص مهووس بالسلطة مع أنه يدعي أنه لا يحكم. هلا فكر هؤلاء أن استمرار القذافي لا يمكن أن يرقى ويقدم على مصير شعب وبلد بأكملهما؟ هل يعتقد هؤلاء أن القذافي سيفكر في مصيرهم لو أتيحت له فرصة الهرب واللجوء إلى بلد آخر؟ هل سيتفاوض باسمهم ويشترط ترحيلهم معه، أم أنه سيستقل طائرة النجاة فقط مع عائلته؟
سواء مات القذافي أو هرب فإن الذين اختاروا البقاء إلى اليوم مدافعين عنه خوفا أو طمعا سيجدون أنفسهم أمام واقع آخر لا يمكن أن يجدوا فيه عذرا مقبولا لهم، لأنهم يعلمون جيدا أن النظام الذي دافعوا عنه لا يملك ذرة واحدة من الشرعية، وأن الذين قتلوهم أو هللوا لمقتلهم من أبناء الشعب المسالم إنما هم ضحايا ذلك النظام الفاسد والباغي وأنهم في نهاية المطاف أبناء شعبهم وأقرب إليهم من القذافي.
إنها دعوة إلى أزلام القذافي وأزلام الطغاة الآخرين العابثين بشعوبهم وبلدانهم لكي يعودوا إلى رشدهم ويتمعنوا في المهام القذرة التي ولوها أنفسهم، آن الأوان لهؤلاء لكي يضعوا حدا لمشوارهم الإجرامي ضد شعوبهم ويتفطنوا إلى أن مستقبلهم هو مع أبناء أوطانهم وأن الحكام الذين يدافعون عنهم لم يفكروا فيهم ولن يفكروا فيهم أبدا سواء عندما كانوا ينهبون البلدان ويسيطرون على مقاليد السلطة فيها وعلى خيراتها أو عندما تتاح لهم فرصة الهروب والنجاة بأنفسهم في اللحظة الأخيرة. إنكم أيها الأزلام تقتلون أناسا أبرياء وتخربون أوطانا كاملة وتضعون مستقبلها أمام خيارات قاتمة، وهذا عمل ستحاسبون عليه اليوم وغدا. فانتهوا خيرا لكم وتحولوا في لحظة حاسمة إلى منقذين لهذه الأوطان والشعوب ومعجلين بفناء رموز الظلم والطغيان، لعل ذلك يمكن أن يشفع لكم ويغفر لكم ما ارتكبتموه أمام شعوبكم وإلهكم. اشتروا أنفسكم بعمل بطولي ولا تجعلوا الحكام يشترونكم بعطايا ومناصب لا تستحقونها ولا يملكون أصلا حق التصرف فيها.
- آخر تحديث :
التعليقات