خالد الجابر

سيدي الجنرال، جنودك يعملون مجاناً ليثبتوا أنهم قادرون على تمزيق أمهاتهم إرباً إرباً وإلقاء المزق الى الخنازير دون أن يتحرك لهم ساكن. الجملة نطق بها عبيد الديكتاتور في الرواية العالمية (خريف البطريرك) (The Autumn of the Patriarch) للكاتب الكولومبي quot;غارسيا ماركيزquot; (Garciacute;a Maacute;rquez)، التي تحكي قصة حاكم لا يعرف أي شيء عن ظروف العالم حوله وكيف يدار، ولا يفهم حتى ما إذا كان ثمة في الكون بلاد غير بلاده، إنه مجرد أحمق جاء الى السلطة عن طريق المصادفة. وهو لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ضعيف لا يشعر بالقوة إلا بمقدار ما تكون أمه قريبة منه التي كانت تقول عنه لو كنت أعلم أن ابني سيصير رئيس جمهورية لكنت أرسلته إلى المدارس، ولهذا أعطاها صفة قديسة الوطن بمرسوم ملكي، هو نفسه الذي يفعل ما يشاء وقت يشاء، وإذا لم تعجبه الساعة الحادية عشرة ستكون بأمره الثانية عشرة. كان الحاكم بأمره وفي كل مرة يشعر بأن سلطته في خطر يعمد لإصدار عفو جديد عن كل المساجين ويأمر بعودة كل المنفيين ما عدا الكتاب. لقد كان مجرد ديكتاتور صغير يظن أنه بطل وطني، ولكن عندما واجه تمرداً، وجه أصابع الاتهام لـ quot;أياد أجنبيةquot; وquot;أجندات سرية quot; بتحريك الثورة ضد حكمه الديكتاتوري quot;العادلquot;. وفي النهاية يموت الجنرال العجوز وحيدا حين تخلى عنه الجميع، بعد ان ضيع كل ثروات الوطن وقواه، حتى البحر الذي لم يبق سواه يضطر للتنازل عنه للأمريكيين الشماليين!!
سواء كتب عليه أو اختاره قدره بيديه، فالمواطن في العالم العربي عاش حياة لا يحسد عليها توزعت بين أنظمة ملكية وأنظمة جمهورية لكنها ليست ملكية صرفة ولا جمهورية خالصة وهي أشبه بدول تحتوي على خليط مشوه لكيان دولة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في مواجهة عالم متحضر يعيش ألفية القرن الواحد والعشرين. هل العيش في وسط الملكيات العربية أفضل منه في الجمهوريات؟! وهل النظام الملكي ارحم في قمع شعبه من النظام الجمهوري أم انه لا يوجد فرق حقيقي؟! تقرير مجلة الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) تطرق الى تعامل بعض الأنظمة العربية مع الثورات الشعبية. فبينما نجحت الشبكات الاجتماعية في حشد مئات آلاف المتظاهرين بسرعة كبيرة في بعض البلدان العربية مثل مصر وتونس، تنامى الزخم الشعبي في سورية تدريجياً كمثال آخر. ومع انه لم يشارك بعض الناشطين فيها خوفاً من لجوء الجيش إلى القوة، ولم يتجاوب الشعب مع الدعوة إلى الإضراب العام في بداية انطلاقتها، إلا أن رد فعل النظام العنيف تجاه المطالب الأولى المتواضعة زاد من التمسك بالتغيير تصميماً وعزماً، وبمرور الوقت، تم الانتقال من المطالبة بإنهاء قانون القمع والطوارئ وإدانة فساد النظام إلى الدعوة صراحة إلى تفكيك نظام الحكم. وتمثل رد الفعل كما أشار التقرير إلى محاولات سلب التظاهرات السلمية شرعيتها، واعتبارها quot;مؤامرة خارجيةquot;، وتقديم تنازلات محدودة على أمل استرضاء الشعب من خلالها، من إقالة الحكومة، وإنهاء قانون الطوارئ التي ربما كانت ستنجح في تهدئة الأصوات المطالبة بالتغيير لو طُرحت في البداية، ولكن بما أن ردود فعل النظام جاءت متأخرة، بدت هذه الوعود غير صادقة وافتقرت إلى الصدق والجدية. وقد جاء رد النظام تجاه الأصوات المتنامية المطالبة بتغيير عنيف وبلا رحمة كما حصل في سورية. وقد قارن التقرير بين مواقف بعض الأنظمة العربية الأخرى، فالأردن واجه تحديات مماثلة، فكما في سورية، ركزت التظاهرات في الأردن بادئ الأمر على القضايا الاجتماعية والفساد المتفشي، إلا أنها سرعان ما تطورت لتدعو إلى إصلاحات دستورية، وعلى الرغم من ذلك، تعامل النظام مع القضايا الملحة بإقناع أكبر، مقارنة بنظيره السوري، فتواصل مع القبائل واللاجئين الفلسطينيين، كذلك زار المناطق المهمشة، وأشرف رأس النظام شخصياً على لجان ملكية تُعنى بشؤون الإصلاح والحوار الوطني، ولم يتضح بعد مدى جدية الإصلاحات التي سيتخذها، ولكن تبين أن مقاربته أكثر نجاحاً من الوعود الغامضة التي أطلقها الرئيس السوري والقمع الذي لجأ إليه القذافي!
الكرة في الناحية الأخرى من الخليج تقبع اليوم في ملعب الرئيس اليمني quot;السابقquot; الذي حرق كل المبادرات الداخلية والخليجية والدولية لحل الأزمة في بلده الجريح المنكوب. لقد عاصر كل السيناريوهات في الدول العربية وشاهدها على المحطات الفضائية التي يتهمها بالعمالة والخيانة من المحيط إلى الخليج، لقد اختار الحل الذي يريده أن يتحقق في اليمن إلذي كان يسمى بالسعيد ليحوله إلى تعيس حزين، ينتشر فيه العنف والقتل والدماء بين أبناء الشمال والجنوب وينقله من كيان الدولة إلى صوملة أخرى، إلى مجرد قبائل متحاربة متصارعة بالحديد والنار، لقد كنا نأمل ولو في اللحظات الأخيرة وقبل فوات الأوان وتحت أي حجة وأي مبادرة محلية خليجية عربية افريقية دولية انه سيقوم بقبول الشروط التي كان يرفضها منذ البداية ويخرج من الباب الخلفي للرئاسة على الأقل محتفظا بالقليل من الكرامة، أهمها انه لم تلطخ يده بدماء شعبه الذي يفترش الشوارع بالملايين مطالبا برحيله مع نظامه!! ولكنه أبى إلا أن يسلك طريق الانتحار بحرق اليمن عن بكرة أبيه كما احرق نيرون روما وجلس يغني بأشعار هوميروس وبيديه آلة للطرب التي قد يستخدمها علي عبدالله صالح بمصاحبة آلة العود مع الإيقاع العدني! الغريب أنه رغم كل القتل والدماء والحصار، وحظر التجول، والترويع، لا نجد إدانة حقيقية من الدول العربية وجامعتها وغالبية شعوبها التي تشاهد المحطات الإخبارية وتذهب إلى النوم قريرة العين وكأنها تشاهد مسلسل باب الحارة أو احد المسلسلات التركية الطويلة!
يجب أن نصل إلى قناعة أن الكثير من الزعماء والرؤساء العرب لن يرحلوا إلا بعد هدم المعبد على رؤوس الجميع في محاولة لتحويل الربيع العربي إلى quot;خريف البطريركquot;، ولن يتنازلوا عن أوهامهم من أن الشعوب لا تستطيع العيش بدونهم إلا بعد أن ينبذهم العالم وتفرض عليهم العقوبات الدولية وتجمد أرصدتهم ويتم طرد سفرائهم والسعي إلى استهدافهم شخصيا وتسليمهم إلى المحكمة الدولية كمجرمي حرب واجهوا الانتفاضات والثورات الشعبية بالرصاص والقتل والمرتزقة والشبيحة. اليقين أنهم ومهما طال الزمن سيتساقطون كما تتساقط أوراق الخريف!