داود الشريان


العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد ذكّرنا بالخطوات المتأخرة والمترددة التي سار عليها الرئيسان التونسي والمصري قبل رحيلهما. وهو عجز عن أن يكون صفحاً كاملاً، فنص على تخفيف عقوبة الإعدام الى laquo;الاعتقال المؤبدraquo; وتخفيف العقوبة الأخيرة الى laquo;الأشغال الشاقة لمدة عشرين سنةraquo;، ولم يستثنِ من هذه الشروط سوى من بلغ السبعين من عمره، فضلاً عن ان العفو لن يستفيد منه laquo;المتوارون عن الأنظار في الجنايات الذين يشمل هذا العفو جريمتهم، إلا إذا سلّموا أنفسهم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ صدورهraquo;. وهذه الفقرة أثارت مخاوف من انها وسيلة لاعتقال مَن تشملهم.

العفو السوري الذي تأخر عقوداً، قوبل برفض من المعارضة والشارع، وهو تزامن مع إعلان حزب البعث الحاكم في سورية إغلاق الباب أمام إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تخوّله احتكار السلطة وإدارة الدولة والمجتمع، ما يعني ان هذا laquo;العفوraquo; مجرد وسيلة لشراء الوقت، وتهدئة الشارع الغاضب، وليس مقدمة للاعتراف بالأخطاء، وإصلاح الوضع المتدهور، وحماية النظام من الانهيار... فضلاً عن ان laquo;العفوraquo; فَقَدَ تأثيره بسبب انطلاق مؤتمر المعارضة السورية في مدينة انطاليا التركية، وبداية تصدع وحدة الجيش بانشقاق 22 جندياً، وتصاعد الغضب الشعبي والتنديد الدولي.

لا شك في أن الوضع في سورية يتجه الى تأزم خطير، ورغم ذلك ما زال النظام في دمشق يركن الى مقولات المستفيدين من استمرار وجوده. فسورية ما برحت تصدّق انها ليست تونس او مصر، وأن المجتمع الدولي لن يسمح بتدهور الأوضاع فيها بسبب قربها من إسرائيل، الى غير ذلك من المبررات. لكن هذه المبررات، الوجيهة في الماضي، عاجزة اليوم عن الصمود أمام تزايد غضب الشارع، والإصرار على الحل الأمني، ووقوف حلفاء الأمس مع المعارضة. سورية دخلت مرحلة التغيير الذي لا رجوع عنه، فهل يمكن تدارك الوضع؟

الأكيد أن بإمكان النظام تخفيف حدة التغيير الذي تنتظره سورية، وليس وقفه. لكن هذا يتطلب تنازلات حقيقية، أولها استبدال الحل السياسي بالأمني، والتراجع عن التمسك بالمادة الثامنة من الدستور، واعتقال الذين تسببوا في قتل المدنيين، وتقديمهم للمحاكمة، وطلب العفو من المواطنين بدلاً من اصدار قرار بالعفو عنهم.

بغير خطوات سريعة وحاسمة في هذا الاتجاه، سينشغل العرب بالوضع في سورية لوقت طويل، ومفجع.