ياسر الزعاترة
نقلت وكالة laquo;فرانس برسraquo; عن الكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، أنه نقل رسالة من المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلاصتها أن laquo;النظام الليبي المقبل سيكون معتدلا ومناهضا للإرهاب، يهتم بالعدالة للفلسطينيين وأمن إسرائيلraquo;. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تجاوزه إلى القول إن laquo;النظام الليبي المقبل سيقيم علاقات عادية مع الدول الديمقراطية بما فيها إسرائيلraquo;.
والحق أن خبر الرسالة لم يفاجئنا، ليس فقط لأن الأسماء التي تتزعم المجلس الوطني الانتقالي الليبي (ربما باستثناء مصطفى عبدالجليل) هي في معظمها من اللون المنسجم مع التوجهات الغربية، وبخاصة الأميركية، الأمر الذي يجعل من غير المستغرب منها أن تنسجم مع الهواجس الإسرائيلية، لاسيَّما أنها تدرك أن الأخيرة هي التي تتحكم بالقرار السياسي الأميركي فيما يخص قضايا الشرق الأوسط عموما.
صحيح أن رئيس المجلس الانتقالي قد نفى ما قاله ليفي، وأوضح أن استقباله كان بوصفه مبعوثا للرئيس الفرنسي لا أكثر، لكن ليفي لم يكن ليقول ما قال لولا أنه سمع ذلك من مسؤولين نافذين في المجلس، بل ربما كان أولئك المسؤولون أكثر تأثيرا في مجموعهم من رئيس المجلس نفسه في صياغة سياساته.
لسنا هنا في وارد المفاضلة بين الحاكم الليبي المجنون، وبين قادة المجلس الوطني الانتقالي، فنحن أولا وأخيرا مع حرية الشعب الليبي الذي ذاق الأمرين من نظام القذافي، وليس بوسعنا جعل رسالة من هذا النوع، رغم خطورتها، سببا في تغيير موقفنا الرافض لاستمرار القذافي وعائلته في الحكم، لاسيَّما أننا نتوقع أن أول شيء سيفعله لو انتصر في المعركة الحالية هو فتح سفارة في تل أبيب، إن لم يكن تبعا لمراسلات سيف الإسلام مع رموز الصهاينة، فمن أجل الانتقام من الأمة العربية التي خذلت الزعيم الملهم!!
ليس هذا فحسب، فهناك أولا وأخيرا الشعب الليبي الذي نثق تماما في توجهاته العروبية والإسلامية، والتي تعني استحالة سكوته على ممارسات أو سياسات من هذا النوع، ومن تحدى القذافي بكل جبروته لن يكون صعبا عليه إسقاط مجموعة جديدة استلمت السلطة إذا ثبت أنها تمضي في اتجاه لا يعبر عن أشواقه على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية.
الذين يهتفون في الشوارع بكلمة التوحيد، والذين شيّعوا أحبتهم شهداء في سبيل الله، ورفعوا أعلام فلسطين، وهتفوا لحريتها إلى جانب حرية بلدهم، لن يسكتوا على إقامة أي شكل من أشكال العلاقة مع دولة العدو، بل لن يسكتوا على ما هو أقل من ذلك بكثير، وهم سينسجمون من دون شك مع الخط الداعم لقوى المقاومة في فلسطين، وفي كل موقع من مواقع الدفاع عن مصالح الأمة.
كل ذلك لا يحول بيننا وبين إدانة التوجهات التي يتبناها المجلس الوطني الانتقالي، سواء على صعيد الرسالة إياها وما انطوت عليه من موقف مرفوض، أو على أصعدة أخرى بدا فيها أكثر انسجاما مع قوىً غربية لم تثبت في يوم من الأيام حرصها على مصالح الأمة، ولن يتغير الموقف بسهولة رغم النفي الذي أعلن، لاسيَّما أن المواقف الإشكالية للمجلس لا تنحصر في الرسالة إياها، بل تتجاوزها إلى قضايا ذات صلة بالمعركة ذاتها وتفاصيلها، وكذلك مصالح ليبيا وثرواتها، إذ إن عقد أية صفقات مع الغرب لا يمكن أن يكون ملزما للشعب الليبي الذي يكفيه ما بدد القذافي من ثرواته، ولا يريد أن يدخل في سياق صفقات أخرى من ذات اللون يعقدها آخرون بقرارات فردية لا تعبر عن ضمير الناس.
من الواضح أن laquo;الناتوraquo; وأركانه الكبار لا يريدون حسم المعركة سريعا، ولو صدقوا في نيتهم حسمها لكان لهم ذلك دون كثير عناء، لكنهم يتلكؤون من أجل مساومة المجلس الوطني الانتقالي على سياسات خارجية وقضايا اقتصادية لا تخدم الشعب الليبي، مع أن استمرار المعركة زمنا أطول خير من أن تحسم بصفقات مشبوهة تسيء إلى الشعب الليبي والدماء التي قدمها في ثورته النبيلة.
هنا تنهض مواقف الثوار الليبيين، لاسيَّما الشباب منهم، إذ إننا نتوقع منهم أن يشكلوا لجانا في كل المدن المحررة، تراقب عمل المجلس الوطني الانتقالي، ولا تسمح له بالانحراف عن أهداف الثورة، وذلك حتى يعلموا أن من ثاروا على القذافي يمكن أن يثوروا على أي حاكم أو فئة حاكمة تنحرف عن جادة الصواب. ونحن واثقون أنهم سيفعلون ذلك، ولن يسمحوا بسرقة ثورتهم من قبل أناس لهم ارتباطاتهم المشبوهة أياً كانوا.
التعليقات