أحمد الجارالله

رسبت موسكو وبكين في امتحان تاريخي مرة أخرى حين وقفتا الى جانب الجزار في مواجهة الضحية, اذ بدلا من التكفير عن ذنبهما في ليبيا, ارتكبتا ذنبا جديدا في سورية, حين اجهضتا عمدا قرارا امميا في مجلس الامن الدولي يدين قتل وترويع المدنيين, الذي ترتكبه قوات النظام وquot;شبيحتهquot;, وهو ما يعني ان شمس كل من روسيا والصين قد شارفت على الغروب في المنطقة التي تثور شعوبها في سبيل حريتها, وهي بالتالي لن ترحم كل من ساند انظمة القمع والقتل.
دولتان بحجم الصين وروسيا حين تخطئان بالحسابات السياسية يترتب على ذلك الكثير من الخسائر التي يصعب تعويضها, وحتى محاولات اللحاق بالركب لا تكون مفيدة ابدا, لان من قتلوا لن يعودوا الى الحياة عند الاعتذار عن اخطاء الماضي, وهو ما تحاولان فعله الان بعد ان ادركتا ان نظام القذافي بات من الماضي, تتلوان فعل الندامة عبر التقرب من الثورة في بنغازي, لكن هل يمكن لعطار الديبلوماسية المتأخرة ان يصلح في كل مرة ما افسده دهر مناصرة الظلم?
هذا السؤال ينطبق على الوضع في سورية وموقف كل من روسيا والصين من سفك دماء الابرياء تحت شعارات النظام الدموي الكاذبة, وتبريراته التي لا تتسق مع اي منطق, فها هما تمنعان الرحمة الدولية عن الشعب السوري بعد معارضتهما لمشروع القرار الفرنسي- البريطاني- الالماني في مجلس الامن, والذي صيغ بلهجة مخففة جدا على امل ان يؤدي الى وقف المجازر الجوالة التي ترتكبها قوات الامن ضد المواطنين في كل قرية ومدينة يخرج فيها من يطالب بالحرية والاصلاح.
ربما على روسيا والصين ان تتعلما من اخطائهما في ليبيا وتتداركا الخسارة الجديدة في سورية, وبخاصة بعد احراق المتظاهرين الاعلام الروسية والصينية تعبيرا عن رفضهما لموقفي الدولتين المجحفين, لا سيما ان الشعب السوري هو من يقرر مستقبلا العلاقات مع الدول قياسا على مواقفها من ثورته, وكما يسجل التاريخ ففي دمشق لا مكان للمقامرة, والشعب لا يغفر سريعا لأنه صاحب ذاكرة قوية, ولهذا فإما ان تقف موسكو وبكين في صف السوريين او ان تعملا, منذ الان, على البحث عن نافذة اخرى لهما في الشرق الاوسط بعد ان تقفل النافذة السورية.
تكتسب المرحلة الحالية في تاريخ العلاقات الروسية والصينية مع المنطقة اهمية مضاعفة لانها تأتي بعد فترة من التغيير الجذري في عدد من الدول العربية, وانهيار الاحلاف السابقة التي قامت على قواعد الحرب الباردة المنتهية مع انهيار جدار برلين, وهو ما لم تدركه منذ ذلك الوقت موسكو وبكين ما افقدهما الكثير من قوتهما في كثير من دول العالم.
ربما لم يفت الوقت بعد في ان تلحق موسكو وبكين بالقطار وتتخليان عن محطة النظام السوري الذي يفقد كل يوم المزيد من شرعيته, أكان على الصعيد الداخلي عبر تزايد التظاهرات والمتظاهرين المطالبين باسقاطه رغم كل القمع الوحشي الذي يمارسه ضدهم, او على الصعيد الدولي من خلال تزايد الدول التي رفعت الغطاء عن هذا النظام, فهل تدركان ذلك ام تستمران بالسير في الطريق الخطأ, وتجعلان التاريخ يدينهما في كل لحظة? خير من يجيب عن هذا السؤال ما تحمله الايام المقبلة.