عمار سليمان علي


تدّعي جماعة المعارضة أو منسقو الثورة السورية، كما يسمون أنفسهم، ومن ورائهم عزمي بشارة وقناة الجزيرة وأخواتها، أنّ حاجز الخوف في سوريا قد انكسر، منذ نحو أربعة أشهر. ويدّعون ايضاً أنّ الآلاف الذين يتظاهرون، يعبّرون عن رأيهم، وعن رأي الملايين من السوريين الصامتين الذين يشكلون الأغلبية. أغلبية يجزمون أنّها تميل للمعارضة وللثورة، لكنّها خائفة من القمع الأمني. ويضيف هؤلاء أنّه حتى من شاركوا ويشاركون في مسيرات التأييد، يساقون سوقاً، وعن غير قناعة، وتحت التهديد أحياناً، حسب تحليلات منظّريهم، الجادة منها والساخرة.

وبعيداً عن التناقض المنطقي والبنيوي في الفكرتين السابقتين، وعن صحتهما من عدمها، فلنفترض جدلاً أنّهما صحيحتان كلتاهما (رغم أنّ صحة إحداهما تنقض الأخرى). وإذا كان الأمر كذلك، فليكن إذن لدى قادة المعارضة أو الثورة، الشجاعة والجرأة للقبول بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خلال أسابيع، وبدون شروط مسبقة، تعرقل سرعة إجرائها، إلا بعض الضمانات التي تضمن حرية الانتخاب نسبياً، كالإشراف القضائي مثلاً. وليثبتوا عندها، للقاصي والداني، صحة تحليلاتهم وادعاءاتهم ومزاعمهم، وهو الأمر الذي يفترض أن يتجلى بالإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع، لصالح مرشحي المعارضة أو الثورة، فينالون ـــــ مستفيدين من زخم ثورتهم ـــــ الأكثرية البرلمانية، وربما يفوزون ـــــ وفقاً لما يصورون هم الأمور ـــــ بالأغلبية الساحقة، القريبة من الإجماع. وحتى لو بقي القانون الانتخابي كما هو، وحتى لو شكلت لوائح للجبهة كالسابق، وحتى إذا لم تفتح أبواب الإعلام السوري لهم بالشكل الذي يريدونه، فإنّ انكسار حاجز الخوف والتأييد الكبير للمعارضة أو للثورة، وفق ما يزعمون، وكون الجزيرة وأخواتها تحت تصرف دعايتهم الانتخابية، سينعكس كما يفترض تشطيباً لتلك القوائم الجبهوية، ووضع القوائم الخاصة بالمعارضة أو الثورة. فمن يجرؤون على التظاهر ضد إرادة الأمن، ورغم القمع الجاري الحديث عنه، ويضحّون بأرواحهم وأرواح أبنائهم في سبيل أهدافهم، لن يترددوا، على أقل تقدير، في التعبير عن رأيهم في الصناديق الانتخابية، عبر شطب أسماء من يريدون، والاقتراع لمن يرغبون. وبهذا ـــــ إذا نجحوا طبعاً ـــــ يكونون قد قاموا بثورة ديموقراطية من داخل المؤسسات، ويمكنهم بعد ذلك البناء على نجاحهم السلمي الديموقراطي، للانتقال نحو الخطوات اللاحقة التي يخططون لها، بما فيها تغيير الدستور (وهو للتذكير سقف لم يطرحوه هم، بل طرحه الرئيس الأسد في خطابه). أما إذا فشلوا ـــــ وهو أمر وارد، وربما بقوة ـــــ فسوف يعرفون حجم تمثيلهم الحقيقي. وعندها أيضاً، فليمارسوا معارضتهم السلمية الديموقراطية من داخل البرلمان والمؤسسات، مدعومين بأنصارهم وناخبيهم وقنواتهم، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
المهم أنّهم في الحالتين يريحوننا من مسلسل يوم الجمعة ومسلسل الشارع، اللذين آن لهما أن ينتهيا لأنّهما باتا بلا أفق، وأصبحا خطراً حقيقياً على الوطن. خطراً بشكل خاص على الأجيال الطالعة التي تنخرط فيهما تماماً كما انخرطت من قبل في متابعة laquo;باب الحارةraquo; وlaquo;ضيعة ضايعةraquo;، مع كلّ ما يرمز إليه هذان العملان الدراميان الجماهيريان من أمور، لا تبدأ بالتسخيف والتسطيح، ولا تنتهي بالسخرية للسخرية، وأخذ القضايا على محمل التهريج!