علي حمادة

يشكل الحوار مطلباً محورياً وحاجة ضرورية عندما تصل البلاد الى منعطف خطير، ولا سيما عندما تبدأ بملامسة الخطوط الحمر التي تهدد الكيان. في لبنان أُطلقت فكرة الحوار سنة 2006 في عزّ اندفاعة الحالة الاستقلالية، وبتواز مع حملة الاغتيالات التي استهدفت الاستقلاليين. كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرة هدفت الى امتصاص قوّة ثورة الاستقلال وإدخالها في متاهة حوار حول القضايا الخلافية. أقرت طاولة الحوار الوطني في لبنان دعم الحكمة الدولية وبنوداً أخرى، وتوقفت عند موضوع سلاح quot;حزب اللهquot; مع تورط الأخير في حرب تموز 2006. وبعد الحرب انتقل quot;حزب اللهquot; والنظام في سوريا الى مرحلة هجوم على الاستقلال اللبناني، وجرى تعليق الحوار مع تحول موازين القوى في الساحة اللبنانية. استمر القتل وما عاد من حاجة الى حوار جدي، وجرى التنصل من البنود التي جرى الاتفاق عليها استنادا الى موازين القوى الجديدة.
في سوريا، ما كان في حسابات النظام ان يحاور اياً كان. ففي مطلع السنة الجارية كان الرئيس بشار الاسد يعتبر ان الاصلاحات تتطلب اجيالا حتى يتم تطبيقها في سوريا، مستندا الى فكرة ان النظام قريب من تطلعات الشعب، حازماً ان سوريا لن تشهد تحركاً شبيهاً بالتحركين التونسي والمصري. في منتصف آذار خرجت عدة ناشطات، امثال سهير الأتاسي، الى الشارع في دمشق للمطالبة بإطلاق سجناء رأي من عائلة واحدة، فجرى الاعتداء عليها وعلى رفيقاتها، وأمسكتهن المخابرات من شعورهن في الطرق، وأتى بهن الى فرع مخابرات حيث رمين في السجن بعد اتهامهن بأنهن عميلات اسرائيليات. وفي الاطار نفسه جرى اقتلاع اظفار اطفال من درعا. ثم اطلقت النار على ابناء درعا المعتصمين في مسجدها. ومنذ ذلك اليوم ومن quot;جمعةquot; الى quot;جمعةquot; تحركت الارض السورية من تحت اقدام النظام، الى ان اطلق اركانه فكرة الحوار، علهم يمتصون الثورة. عقد مؤتمران في فندق السميراميس، الاول ضم مجموعة من النشطاء المعارضين وضع مطلب ايقاف القتل في الشوارع في طليعة اللائحة للدخول في حوار لانقاذ سوريا من أزمة كبرى، ولكن الشارع ردّ على المؤتمر بـquot;جمعة اسقاط شرعية النظامquot; باعتباره الشعار الوحيد المطروح في الشارع. واستمر قتل الناس في الشوارع. اما المؤتمر الثاني الذي نظمه مؤيدو النظام فلا يستحق التوقف عنده. وفي النهاية انضم نشطاء quot;سميراميس واحدquot; الى المقتنعين بأن الحوار مع النظام غير ممكن، فكانت أمس وبعد quot;جمعة ارحلquot;، quot;جمعة لا للحوارquot; التي خرج فيها الملايين في كل انحاء سوريا. صار مؤتمر الحوار برئاسة فاروق الشرع المزمع عقده غدا الاحد غير ذي جدوى، فالشارع ادرك ان النظام يطلب الحوار ويستمر في اطلاق النار، ولا يسعى إلا الى امتصاص ثورة الشارع، ريثما يعود ليأخذ زمام المبادرة في مرحلة لاحقة. فعند الشعب السوري ان العودة الى المنازل من دون اسقاط النظام معناها تجديد الحياة في ظل ستالينية حافظ الاسد وابنه. وفهموا ان الثورات اما ان تكون ثورات حتى النهاية واما لا يكون تغيير. لعلهم استفادوا من دروس الحوار المزعوم في لبنان.