المسافة الجغرافية بين (القصر الجمهوري) المطل من احدى تلال قاسيون على دمشق وبين فندق(سمير أميس), الذي احتضن اللقاء التشاوري الأول لأكثر من 200 من السياسيين والكتاب والمثقفين والنشطاء الحقوقيين السوريين جلهم من المعارضين المستقلين, ليست ببعيدة(بضعة كيلومترات). بيد أن المسافة quot;السياسية/الفكريةquot; بين من يقيم في هذا القصر(المسمى بقصر الشعب), وبين من التقوا في فندق سمير اميس يوم 27 حزيران الماضي, تبدو طويلة وشاسعة جداً.هذه المسافة التاريخية الزمنية تخفي في ثناياها أسرار وأسباب الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع. صحيح أن ما بات يعرف بـquot;معارضة فندق سمير أميسquot; لا تمثل كل المعارضات السورية. لكن الصحيح أيضاً,أن بيانها الختامي, الذي أكد على quot;دعم الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والكرامة والدولة المدنية. وإنهاء الخيار الأمني, وسحب القوى الأمنيّة من المدن والبلدات والقرىquot;,تقاطع مع مطالب بقية تيارات وفصائل المعارضة الوطنية,في الداخل والخارج. طبعاً باستثناء المعارضة الميدانية المنتفضة في الشارع التي يبدو حتى الآن أنها لن تقبل باقل (من رحيل الأسد وسقوط النظام),الشعار الذي مازلت تتحفظ عليه وتتخوف منه المعارضات التقليدية.

المقيمون في القصر الجمهوري, جلهم من العسكر وجنرالات الدولة الأمنية,يسهرون ليلاً نهاراً على quot;مملكة الخوفquot; التي بنوها والتي بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً تحت ضغط صرخات وهتافات السوريين المنتفضين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية. فيما من التقوا في قاعة المؤتمرات داخل quot;فندق سمير أميسquot; هم جمع وطني حر, ضم من مختلف الطيف السوري,القومي والديني والأثني والسياسي والاجتماعي والفكري والمناطقي.تنادوا للتشاور حول سبل تفكيك quot;مملكة الخوفquot; واعادة بناء جمهورية المواطنة ,والانتقال بسوريا الى دولة مدنية دمقراطية لكل أبنائها وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الهاوية بسبب الخيار الأمني الذي quot;سيأخذ البلد إلى كارثة لن يخرج منهاquot;وفق ما قاله المعارض البارز ميشيل كيلو في ورقته المقدمة الى اللقاء التشاوري.

ثلاث خطب للرئيس بشار الأسد, منذ انطلاق حركة الاحتاجات في آذار الماضي, لم تحسم الجدل المثار حول موقعه في القصر وفيما اذا كان يمارس كامل صلاحياته الرئاسية التي يمنحها له الدستور؟. نفي الرئيس صراحة في خطابه الأخير لكل ما يشاع في الاعلام حولquot;أهل البيتquot;وبشكل خاص حول سلطته وعن دوره في ادارة الأزمة الراهنة, لم يبدد شكوك المشككين بحقيقة تموضعه السياسي كرئيس وسط الاصطفافات السياسية,التي ستحصل لا محال في قمة هرم السلطة,ان لم تكن قد حصلت بالفعل, على خلفية الأزمة الراهنة والمرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم.الى أية جبهة سيميل الرئيس بشار في النهاية؟.الى جبهة القصر, حيث حراس مملكة الخوف وقادة النظام الأمني والمنظرين لديمومة الاستبداد والمسؤولين عن قتل الأبرياء؟. أم أنه (الرئيس) سيلتحق بجمهور وأنصار تيار quot;فندق سمير أميسquot;, - من المتوقع أن يشهد هذا الفندق في الأيام القادمة لقاءات ومؤتمرات لقوى سياسية سورية أخرى- المطالبين ليس بتغير المادة الثامنة من الدستور (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع) , وانما الثالثة أيضاً المتعلقة (بدين رئيس الدولة والفقه الاسلامي مصدر أساس للتشريع).لا بل أنهم يريدون دستوراً وطنياً مدنياً عصرياً جديداً, ويؤيدون مشروع quot;الحوار الوطنيquot; الذي سيرعاه الأسد, شريطة أن يفضي هذا الحوار الى انهاء حالة الاستبداد القائمة والى تداول السلطة والانتقال بسوريا الى جمهورية جديدة لا مكان فيها للاستبداد والقمع.لأن حقيقة أية مقاربة وطنية للأزمة الراهنة ما لم تستجيب الى تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة,ستكون مقاربة عقيمة ومن غير ذات جدوى ومجرد دوران في حلقة مفرغة.

بموازاة هذه التساؤلات المهمة المتعلقة بحقيقة ما يدور ويخطط له في quot;القصر الجمهوريquot; والتي عليها قد يتوقف ويتحدد مصير البلاد, ثمة تساؤلات مشروعة واشارات استفهام كبيرة حول ظروف وسر انعقاد اللقاء التشاوري في فندق سمير أميس , وحول أسباب غض السلطات النظر عن انعقاده على وقع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام وحملات القمع والتنكيل بالمدنيين؟. اللقاء الذي أثار ومازال جدلاً حامياً في مختلف الأوساط السياسية والشعبية والثقافية السورية في الداخل والخارج,خاصة وقد خلا بيانه الختامي من المطالبة الصريحة باسقاط النظام أو حتى تغييره.البعض شكك بنوايا وأهداف الداعين لهذا اللقاء. والبعض الآخر اعتبر مجرد انعقاده في هذا الظرف وبالطريقة التي عقد بها هو لتجميل صورة نظام مأزوم والتفافاً على المطالب الأساسية للشارع السوري المنتفض في وجه هذا النظام.وقد ذهب البعض للقول بأن السلطة أرادت من هذا اللقاء شق صفوف المعارضة وتشتيتها, فيما الأوضاع والتطورات تتطلب رص صفوف المعارضة وتوحيد كلمتها في وجه الاستبداد.
لا شك, لم يكن صعباً على السلطات السورية منع انعقاد لقاء سمير أميس,خاصة وأن المبادرين اليه لم يحصلوا أو بالأحرى لم يطلبوا من السلطات المعنية موافقة مسبقة بعقد هذا اللقاء. لكن يبدو أن النظام وجد فائدة سياسية ودعائية له في انعقاده,خاصة لجهة تشجيعه على الحوار الوطني.وربما,هو(النظام) حصد بعض النقاط الاجابية لصالحه من هذا اللقاء. لكن أعتقد بأن لقاء فندق سمير أميس, وبصرف النظر عن دوافع ونوايا الداعين والمبادرين اليه ,شكل ببيانه الختامي الداعم لمطالب الانتفاضة السورية صفعة سياسية قوية للنظام. مع التسليم بأن انعقاد هذا اللقاء الغير مسبوق في تاريخ المعارضة السورية وعودة الحياة والحيوية للحراك السياسي الديمقراطي المعارض في سوريا هو بفضل دماء شهداء وجرحى ومعتقلي ولاجيئي ونازحي الانتفاضة السورية في وجه الاستبداد. فما أنجزته هذه الانتفاضة الباسلة خلال أشهر,عجزت عن انجازه المعارضات السياسية التقليدية خلال عقود.
وسط الشكوك بمواقف المجتمع الدولي من النظام السوري,نشرت يوم الجمعة 1 تموز صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية تقرير, أعده إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط, بعنوان quot;الولايات المتحدة تضغط من أجل حوار المعارضة مع الأسدquot;, أعتقد بأن هذا التقرير كشف عن بعض الأسرار والألغاز التي أحاطت انعقاد لقاء فندق سميرأميس.اذ أشارت الصحيفة الى ما سمته بـquot;خارطة طريق للإصلاح مثيرة للجدلquot;.وفق هذه quot;الخارطةquot; سيبقى الأسد في السلطة في الوقت الحالي و سيشرف على quot;انتقالا سلميا وآمنا إلى الديمقراطية المدنيةquot;.وتشير الصحيفة إلى أن الوثيقة موقعة من قبل (لؤي حسين ومعن عبد السلام)- هما من أبرز الداعين لهذا اللقاء- اللذين تصفهما بأنهما quot;مثقفان علمانيانquot; في مجموعة تسمى quot;لجنة العمل الوطنية.

كاتب سوري
quot;شارك في لقاء فندق سميرأميسquot;
[email protected]