منذ 15.03.2011 لحظة انطلاق شباب سورية بثورتهم المباركة من بقية أطياف الشعب السوري العمرية، وهذه الثورة أدخلت المجتمع السوري كله إلى حقل السياسة، لم يعد هنالك بيت سوري، لا يفتح تلفازه على قنوات الجزيرة والعربية وغيرها لمتابعة الحدث السوري، الذي لايزال الإعلام المافيوي السوري للنظام يصر على الكذب وتصوير الواقع بخلاف ما هو عليه، الشعب السوري الآن يتنسم الحرية، وتشتعل المناقشات حتى في نفس البيت، ولم يعد هنالك سوري واحد لا يتابع أخبار وطنه ويحاول أن يشارك بهذا الشكل أو ذاك في مجريات الأمور، سواء الكتلة المحسوبة على النظام، والتي تتمحور حول عائلات قواه الأمنية والعسكرية، أو الكتلة التي لاتزال ظاهريا لم تحسم أمرها، إضافة إلى كتلة الأكثرية من الشعب السوري، والتي تشكل الحاضن الفعلي لهذه الثورة الشبابية التي نقلت سورية إلى عهد جديد، شاء من شاء وأبى من أبى. إنه عهد تنسم الحرية وتعلمها وممارسة طقوسها على كافة المستويات، ومنها على صعيد المعارضة. هذه المعارضة التي كانت قبل الثورة تعاني من تشرذم مرعب، ومن حالة إحباط تصل حد التييئيس من أي عمل ميداني. إضافة إلى عدم قدرتها على التقاط مطلب الشعب السوري بالحرية والكرامة، والذي هو مطلب كل شعوب الارض، وأن الشعب السوري لا يختلف عنها، فتوقه للحرية، كان يعبر عنه دوما من خلال استمرار معارضته بدفع ثمنها سجونا واعتقالات وتشريدا. رغم كل أمراضنا كمعارضة.
جاءت الانتفاضة الشبابية لتحرك هذا الوضع المأساوي لهذه المعارضة، فبدأت ورشة حراك معارض ضخمة، ورشة جلبت إلى معملها ألاف مؤلفة ممن كانوا على الحياد أو صامتين، وهذا خلق داخل المعارضة ديناميات بدأت تفرز منذ بداية الثورة وحتى الآن أشكال وتنظيمات وهيئات، تعبر عن التنوع التي تتسم به الحرية ويتسم بها فضاءها السياسي.
فكان هنالك مؤتمر استنبول ومؤتمر انطاليا ومؤتمر بروكسل واللقاء التشاوري في السميراميس، والآن تشكيل هيئة التنسيق الوطنية في الداخل السوري مع شخصيات وطنية معروفة من الخارج، هيئة التنسيق التي ضمت أكثر من عشرين حزبا كورديا وعربيا، إضافة لشخصيات وطنية معروفة كالدكتور برهان غليون وميشيل كيلو وفايز سارة وعارف دليلة وغيرهم كثر، الملفت للنظر هو غياب قوى إعلان دمشق عن الهيئة، وكذا الحال غياب قوى مؤتمري انطاليا وبروكسل، رغم أن الدعوات وجهت لعدد ممن حضروا هذين المؤتمرين ، رغم انضمام جماعة الإخوان المسلمين للهيئة كما أشار إلى ذلك بيان الهيئة، وبشكل حزبي، ملفتا غياب رياض سيف وفداء حوراني ورياض الترك وياسين الحاج صالح وغيرهم من الشخصيات المعروفة بانهمامها المعارض والمؤسس على مطلب الحرية والكرامة، لكن هذا الغياب مفسر ومبرر أيضا، فهاهي التيارات السياسية بكل طروحاتها، تحاول أن تجمع نفسها في أطر تعبر عما تريده في هذه المرحلة، ملفت للنظر أن هنالك قاسم مشترك بين كل تجمعات المعارضة التي انطلقت بعد الثورة بما فيها هيئة التنسيق، تواجد جماعة الإخوان المسلمين في كل هذه التجمعات والمؤتمرات، مما يعطي إشارة إلى أنهم أكثر مؤسسات المعارضة السورية مرونة في التعاطي مع الرأي المختلف، وربما هذه مفارقة تسم أخوان سورية عن غيرهم من بقية أفرع جماعة الإخوان المسلمين في بقية الدول الإسلامية. وأيضا يعطي ملمحا أنه لا خوف على الثورة من أن تنزلق نحو تبني نظاما غير ديمقراطي.
إن هذا الحراك المعارض قادته الانتفاضة السورية التي انطلقت من درعا ووصلت البارحة مساء إلى حلب30.06.2011 حلب التي طال انتظار انضمامها للثورة. إنها الحرية التي انتجتها ثورة شبابنا بدماءهم الطاهرة، والتي استطاعت أن تعري النظام القمعي أمام اعين وبصر العالم أجمع، تلك الثورة السلمية المدنية، والتي اسقطت كثيرا من المقولات حول المسألة السورية، وطبيعة نظامها الحاكم.
نعم الثورة الشبابية تقود المعارضة الآن، وقد رسمت للمعارضة حدودا لا تستطيع هذه المعارضة تجاوزها، وهذا ما لمحناه باللقاء التشاوري في فندق سميراميس.
الخوف الآن بعدما تشكلت هياكل تعبر عن غالبية الطيف المعارض، الخوف من مسألتين:
الأولى- محاولة تأزيم وضع الانتفاضة من خلال فتح الحوار مع النظام تحت أي عنوان، ودون أية بوادر فعلية تشير إلى أن هذا الحوار سيتم من أجل الإعداد لمابعد آل الأسد. والحوار لا يمكن أن يتم دون تفويضا واضحا من شباب الثورة هم أولياء الدم.
الثانية- البدء بتخوين هذه الأطراف لبعضها بعضا، تحت حجج وذرائع شتى، كأن يطلق السيد حسن عبد العظيم تصريحا اليوم لصحيفة السفير، يحدد بناء عليه من هي المعارضة الوطنية ومن هي المعارضة غير الوطنية، أو تلك الأهجيات التي خونت من شاركوا في اللقاء التشاوري في السميراميس.
إنها نقل للمعركة الأساس والتي هي معركة شبابنا من أجل الحرية مع هذا النظام القاتل.
لنبتعد عن لغة التصنيف والتخوين، من يريد أن يحاور النظام ليحاور، ولكن من غير المعقول أن يذهب للحوار مع النظام وهو يخون غيره من جهات المعارضة الأخرى، ليقل أنني أرى الحل السياسي من خلال الحوار، ولكنني لست معيارا للوطنية!!
ومن لا يريد الحوار مع النظام ليتابع عمله من أجل إسقاطه دون أن يخون من يريد الحوار مع النظام.
الشباب في الشارع هم من مختلف التيارات السياسية، ومن مختلف المشارب، فلماذا لا نتعلم منهم وأن نبتعد عن الاقصاء تجاه بعضنا بعضا، وأن نتعلم عدم التذاكي على شعبنا، وإن كان هنالك من يصر على التذاكي على غيره من المعارضين.
في خاتمة هذه العجالة نتمنى للمعارضة كلها أن تحقق أهدافها، وللتنوع في صفوفها صحة ولكن الأهم هو معرفة كيف ندير هذا التنوع وهذا الاختلاف، ودون تصنيفات ومعايير لم تعد تعني شيئا سوى الحرب على هذا المختلف، وهذا ليس من مصلحة الثورة في شيئ.
إنها الحرية التي نعيشها وأنها تمهد لربيعها الذي سيزهر في دمشق بعد أن خرجت حلب ليلا.
غسان المفلح
- آخر تحديث :
التعليقات