دعوة التأييد التي أطلقها كوسرت رسول نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني لاقامة الدولة الكردية وتوفر الظروف العراقية والاقليمية والدولية لها في احتفالية حزبه، حرك مشاعر النخبة المثقفة في الاقليم بصدد الحلم الذي يراود الكرد منذ قرن من الزمن لتأسيس كيان مستقل لهم، وأطلق العنان للسياسيين في النظر للامر بعد التغييرات الجديدة التي طرأت على ساحة الشرق الأوسط منها الثورات الشبابية التي غيرت أنظمة كانت قائمة من عقود طويلة وحصول شعب جنوب السودان على حق تقرير مصيرهم واعلان دولتهم في ظل تطورات سياسية شهدتها المنطقة بفعل الحركة التاريخية التي دبت في شعوب المنطقة ضد انظمة القمع والاستبداد والتسلط وتعطشا للحرية والكرامة التي حرموا منها طوال قرون وعقود من الزمن.
وقبل دعوة رسول أطلق مسعود البارزاني دعوته بحق تقرير المصير للكرد في المؤتمر الأخير لحزبه الديمقراطي الكردستاني وبحضور الساسة العراقيين والسفراء العرب والأجانب في أربيل، وقد قوبل دعوته بالرفض من قبل بعض الاطراف السياسية العراقية واستقبل بترحاب وهدوء من قبل أطراف أخرى مع تأكديهم على حق الكرد في تقرير مصيرهم كحق طبيعي من حقوق الشعوب كما جاءت به اللوائح والوثائق الدولية للأمم المتحدة.
والجديد في الأمر هو ما هدد به رئيس مجلس النواب والقيادي في القائمة العراقية اسامة النجيفي بانفصال السنة في العراق نتيجة لما وصفه بـquot;الاحباط الذي يشعرون بهquot;، موضحا النجفيي في مقابلة تلفزيونية quot;أن هناك احباطا سنيا في العراق، واذا لم يعالج سريعا فقد يفكر السنة بالانفصالquot;، وتأتي تصريحات القيادي السني وهو في واشنطن على رأس وفد يضم عددا من النواب.
ويذكر سبق الموقف الجديد للنجيفي محاولات جدية تبذلها بعض اعضاء الحكومات المحلية من السنة في محافظتي الأنبار وصلاح الدين لتبني فكرة تحويل المحافظة الى اقليم وجرت زيارات ميدانية الى كوردستان للاستفادة من تجربة الاقليم لارساء النظام الفيدرالي في محافظات الوسط العراقي.
وبغض النظر عن دوافع القادة الكرد لاطلاق دعوة الدولة الكوردية ودوافع تهديد القادة السنة العرب بالانفصال عن العراق، فان الحقائق والاحداث التي مرت بها شعوب ودول الشرق الاوسط خلال العقود الماضية والتغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها تشير الى حصول تغيرات جذرية في المستقبل ستشهدها المنطقة في العقد الجاري او العقدين القادمين نتيجة لضرورات تاريخية ودواعي أمنية ولاستحقاقات مرتبطة بالشعوب ولاسباب متعلقة بمراعاة مصالح القوى الدولية الكبيرة التي تلعب دورا رئيسيا في ادارة السياسة الدولية والمصالح الاقتصادية العالمية، وحضور الوجود الكردي ضمن سياق هذه الرؤية يحتل مكانا مهما ضمن مشهد التغييرات السياسية في مستقبل المنطقة.
وبعيدا عن التفاصيل فان مراكز الدراسات السياسية الاستراتيجية الأمريكية والبريطانية والأوربية والروسية تركز أغلب دراساتها على منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا وتصدر سنويا تقارير مهمة بهذا الشأن، اضافة الى اصدار تقارير لتوقعات عن مستقبل المنطقة، ولكن هذه التقارير لا تحظى باهتمام الساسة ولا باهتمام الأكاديميين والاعلاميين.
ومن أبرز السيناريوهات المتعلقة بالعراق التي طرحت بهذا الشأن هو مشروع نائب الرئيس الامريكي جون بايدن لتقسيم العراق الى ثلاث فيدراليات حسب المكونات الرئيسية للبلاد، فيدرالية لكل من السنة في الوسط والشيعة في الجنوب والكرد في كردستان، وقد جوبه هذا السيناريو بالرفض الشديد من قبل أغلب الأطراف العراقية العربية ولكنه قوبل بالترحاب من قبل الكرد، ووصف المشروع من قبل محلل استراتيجي بانه من افضل المشاريع السياسية التي يضمن مستقبلا مستقرا للعراق الذي يتركب من تنوع شديد في المكونات القومية والمذهبية.
والمعروف ان الدستور الدائم للعراق أقر نظام الدولة الاتحادية المبني على الفيدرالية والتعددية والبرلمانية، ويشكل اقليم كردستان نموذجا حيا لفيدرالية متقدمة حسب الدستور الجديد بعد سقوط نظام صدام حسين، والنموذج الكردستاني شكل أول مكسب كبير للعملية الدستورية والديمقراطية في البلاد.
والنظام الفيدرالي تأتي أهميته من خلال إسناد إدارة مصالح والمصير المشترك لمجموعة سكانية الى حكومة محلية ومجالس منتخبة من الكيانات السياسية الممثلة لسكان الفيدرالية، والميزة القوية التي يتميز بها هذا النظام هي اقتران الفيدرالية بالاختيار الديمقراطي وهو الضامن الرئيسي والحقيقي لتحقيق التنمية والتطور للمجتمعات البشرية، ولهذا لا يمكن تحقيق النظام الاتحادي الا في منظومة المجتمعات الديمقراطية، والعراق دخل في هذه المنظومة منذ عام الفين وثلاثة بالرغم من ديمقراطيته الناشئة ولكنه من أفضل الأنظمة السائدة في الشرق الأوسط، ودستوره الدائم من أفضل الدساتير في العالمين الاسلامي والعربي.
ولهذا نأمل ان تكون الدعوات الجديدة من قبل القادة الكرد ومن قبل قادة سنة العراق مستندة الى رؤية حكيمة تهدف الى ايجاد حل جذري للواقع المرير الذي مر به العراق من قرن كامل دون ارساء دولة مستقرة تضمن حقوق مواطنيها ومكوناتها القومية والمذهبية، والاحداث المأساوية التي مرت بها الامة العراقية على مر عقود طويلة كانت دافعا قويا للعراقيين للوصول الى قناعة شبه تامة بعد سقوط النظام البائد بان النظام الفيدرالي المقترن بديمقراطية حقيقية والمراعي لحقوق الانسان والتعددية والبرلمانية في ظل دستور دائم وهو ضامن حقيقي لبناء عراق جديد ولارساء الأركان الأساسية للقاعدة التي ستبنى عليها الدولة العراقية الحديثة، واقامة الأقليم الفيدرالية او التفكير الجدي بانفصال الكرد والسنة من العراق مع تشكيل كونفيدرالية عراقية قد يكون الحل الأكثر حكمة وضرورة وجدية للتخلص من وضع غير مستقر يعيشه العراق منذ الحرب العالمية الاولى، لضمان حاضر ومستقبل آمن لابناء الأمة العراقية ولبناء البلاد على أسس جديدة للدولة المدنية الحديثة.
التعليقات