عندما تتردد كلمات أغنية سميح شقيرquot; ياحيفquot; في بعض مساجد سورية، عبر حناجر خطباء المساجد، فإننا نقف إزاء حالة، يقدمها الوعي السوري المنتفض، الذي تجاوز بشرعيته الجديدة كل البنى المافيوزية للنظام وثقافتها، كما تجاوز عدم قدرة المعارضة كأطر على مواكبة هذا الوعي الجديد المنبثق من دم الشباب السوري.

إنها الحالة الطبيعية لسورية، حالة قبل الأسد ونظامه الذي تحول مع مرور الوقت إلى عصابة من نوع جديد لم يألفها العالم المعاصر من قبل إلا في ليبيا، إننا في سورية نعاني الآن من غياب تنسيق معارضاتي على مستوى الثورة وشبابها، وهذا التنسيق في الواقع ليس لاختلاف في أجندات أو في برامج أو حول تكتيكات سياسية محددة، بل هو أساسا نتيجة لبروز ما يمكنني تسميته، براكبي الموجة المعارضاتية، وتخشب بعض رموز المعارضة التقليدية على طروحاتها وتزعمها التقليدي للحراك، وتداخل هاتين المعضلتين في عمل المعارضة السورية، هنالك عمق انتهازي مريع في عمل هذه المعارضة، هنالك محبي الزعامة، ودون أن يكون لهم شرعية ما، مما يحدوهم للقيام بإعمال والعمل على خطاب يجعل منهم أسماء لا تشق لها غبار في شق صفوف المعارضة، والبحث عن تصدعات أو عن مناسبات لإضافة تصدعات جديدة، وكل ذلك دوما يكون الخاسر من هذه الأفعال، هم المعارضة التي دفعت الثمن سجونا وملاحقات من جهة وحركة الشباب السوري الذي عمد انتفاضته السلمية بالدم من جهة أخرى. السياسة موزاين قوى صحيح، لكنها أيضا ثقة ومصداقية ومصارحة، خصوصا إذا كانت من أجل قيام نظام ديمقراطي.

ثمة أمر آخر لابد من الإشارة إليه، وهو أن هنالك من دخل إلى عنوان المعارضة ولاعتبارات عديدة لسنا بصدد الحديث عنها أو تشويه دوافعها، فكل سوري هو وطني حتى يثبت العكس. هؤلاء الأشخاص في الحقيقة باتوا الآن مع الثورة الشبابية السوري، يتشدقون وكأنهم هم من صنعوا الثورة ولسان حالهم يقول عندما تواجههم بنقد أو بمسألة ما يردون بعين مفتوحة على آخرهاquot; أنتم المعارضة التقليدية منذ أربعين عاما ماذا فعلتم؟ وكأن من يسال هذا السؤال يضع نفسه في موقع الفاعل في هذه الثورة، وبالتالي يحاول إعطاء شرعية ما لحضوره الجديد هذا، الثورة بالطبع بحاجة لكل السوريين، لكنها ليست بحاجة لمن يريد أن يدخل في دعم الثورة متنطحا أنه من صانعيها أو من ممثليها سواء في الداخل أو في الخارج، وهكذا ثورة لن تعجز عن إفراز قياداتها الشابة، رغم هذا اللغط الكثير، وتشكيل المجالس والكتل السياسية التي أحيانا لا يكون خلفها سوى شخص واحد أو شخصين!! وربما حتى لا يمثلون أنفسهم. الثورة ليست بحاجة لمن يمثلها، فمطلبها بالحرية والكرامة ودولة القانون والحريات والشفافية، أوضح من أن يحتاج لمثل هؤلاء، الثورة خطابها يمثلها، وليس شخوصا مهما كانت أوضاعهم.
وهذه الرسالة يجب أن يفهمها العالم كله، الثورة السورية خاصة سورية بكل شيء.

فالثورة التي حولت الخطاب العلماني الجهادي الذي كان يتشدق ليل نهار، بخوفه من الديمقراطية، لأنها يمكن أن تكون على حساب العلمانية، قد حولت هذا الخطاب إلى ركام لا فائدة منه ولا يصلح حتى كمرجعية تاريخية للوضعية السورية، وبنفس الوقت أوضحت أن التنظيمات الإسلامية التقليدية ليس لها دورا يسمح لها بأن تكون ناطقة باسم الثورة، ولا أن تحاول ركوب موجتها.
ثمة أمر آخر، استطاعت الثورة أن تؤكد بسلميتها أن هذه السلمية عنوانا لسورية المستبقل، ومنهجية عمل ورؤيا أيضا. سلمية الثورة هي التي جعلت وستجعل النظام عاريا، لهذا كان هنالك من أراد خدمة النظام ولايزال بعضهم يعمل على ذلك من أجل أن يقول أن هنالك في الثورة من يحمل السلاح، وستواجه الثورة في الأيام القادمة من يحاول أن يشوه صورتها عبر الحديث عن تسلح أو عبر إطلاق دعوات من أجل التسلح، كل ذلك يكون لخدمة هذا النظام.

وثمة أمر اخير هو موضوع الرد على كل ما حاول النظام أن يؤسسه من خطاب طائفي مقيت، بان الثورة فتحت صدورها للسورية كهوية ديمقراطية لا يعلو على الانتماء إليها أي انتماء...لهذا يصدح خطباء المساجد بكلمات أغنية المغني اليساري سميح شقيرquot; ياحيفquot;..
غسان المفلح