عندما شنت أميركا الحرب التي أدت في النهاية إلى زوال النظام السابق صرح الرئيس الأميركي بوش والعديد من أركان حكومته بان الهدف النهائي للحرب هو لجعل العراق نموذجا للتغيير في البلدان العربية والمجاورة مبشرا بمشروع الشرق الأوسط الجديد... الذي أريد له أن يمثل الشعار الخارجي للحرب التي كانت مهمة للمصالح الأميركية.
لكن الشكوك ساورت الكثيرين من إمكانية تحول العراق إلى نموذج للديمقراطية وليس بؤرة للصراعات الداخلية والخارجية لا سيما بعد التدخل الإقليمي الفاضح في الشؤون العراقية الذي هدف لإفشال التجربة العراقية ومنعها من التحول إلى نموذج يدفع شعوب المنطقة إلى المطالبة بالإصلاحات وبالديمقراطية.

لقد أدركت الأنظمة الشمولية الحاكمة في البلدان المجاورة خطورة ما يحصل في العراق على بقائها في الحكم فسارعت إلى نقل المعركة إلى الأرض العراقية ليتحول العراق إلى ساحة مكشوفة للصراع بين الأجندات الخارجية التي يسعى كل منها إلى هدفه الخاص دون الاهتمام بما تسببه هذه الصراعات من كوارث للبلد والمنطقة.
وعلى الرغم مما بذله الطرفان العراقي والأميركي من محاولات لتغيير قناعة دول الجوار بشأن التجربة العراقية لا سيما التحذير من انتشار الإرهاب في المنطقة ومحاولة التأكيد على الطابع المحلي للتجربة العراقية إلا أن دول الجوار كانت مقتنعة بالخطر القادم من العراق فيما كانت مصرة على مواجهته قبل أن يصل إلى حدودها.

لقد تحول الخوف من التجربة العراقية إلى عداء مر لها فدول المنطقة التي كانت مختلفة فيما بينها على كل شيء أصبحت متفقة فيما يخص موقفها من العراق لان العراق ليس قطبا عربيا وحسب بل وشرقيا أيضا بحكم موقعه وسكانه وتاريخه لذا لا غرابة في تنوع التحدي الذي استهدف الديمقراطية العراقية واحتوائه على العديد من الأجندات المختلفة.
لقد أخر التدخل الإقليمي من تأثير التجربة العراقية بعد أن جعلها تراوح في مكانها لكن بعد تطور الأمور وظهور بوادر النجاح من خلال ثبات العملية السياسية ونجاح الانتخابات وتحسن الوضع الأمني بدا التأثير العراقي يأخذ مفعوله فكانت ثورة الياسمين الشرارة التي نقلت هذا التأثير من الإعجاب إلى التطبيق لينتشر لهيب الثورات في كل المنطقة.
إن أهم دليل على التأثير العراقي هو أن الثورات حصلت بعد سنوات قليلة على بدأ التجربة ( اقل من ثمان سنوات ) فقد شعرت الشعوب بان مطاولة التجربة العراقية وخروجها الظافر من الفتن التي ألمت بها هو خير دافع لها للمطالبة بحقوقها المشروعة فمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به التجربة العراقية أصبح ينظر له على انه جدير بالتحقق.

لكن السؤال المطروح هنا هو إلى أي مدى يجدر بنى أن نتفاءل بشان هذا الأمر؟ فبعض الدكتاتوريات مازالت متشبثة بالحكم وثورتي تونس ومصر لم يحققا بعد أهدافهما النهائية بفعل وجود الحكومات المؤقتة التي يرعاها العسكر وفوق ذلك أن التجربة العراقية التي هي ملهمة هذا الحراك الثوري الكبير مازالت تواجه تحديات الفساد والإرهاب والانقسام السياسي.

فكل ما نقوله بهذا الصدد أن المنطقة تتغيير وان النجاح أصبح بمتناول اليد.